الوديعة أمانة، والمودع مؤتمن؛ والأمانة أمانتان: أمانة بين العبد وخالقه، وأمانة بين المخلوقين.
فأما الأمانة التي بين العبد وخالقه، فهي الأمانة في الدين عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان - أي آدم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فحملها ولده بعده - وهي الفرائض التي افترضها الله على عباده، عرضها - تعالى - على السماوات والأرض والجبال على أنها إن أحسنت أثيبت، وإن ضيعت عوقبت؛ فأبت حملها شفقا منها وخوفا ألا تقوم بالواجب لله فيها، وحملها آدم إنه كان ظلوما لنفسه، جهولا بالذي فيه الحظ له، وجهولا بأمر ربه؛ وذلك أنه لما قبلها بما فيها، ما كان إلا ما بين صلاة العصر - إلى الليل من ذلك اليوم حتى أصاب الخطيئة؛ وهي السرائر التي قال الله تعالى فيها: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق: 9] {فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ} [الطارق: 10]
وسئل مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقيل له: أبلغك أن الوضوء من السرائر؟ فقال: نعم، الوضوء من السرائر؛ وقد بلغني ذلك فيما يقول الناس، فأما حديث أحدثه