منه بدا»، وقال: «ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم»، ولأن الزائد أيضا على قيمة هبته من ناحية الصدقة التي لا تحل له. وقد قيل في معنى قوله عز وجل: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6]، أن معنى ذلك: ولا تمنن بعطيتك وعملك ولا تستكثره، هذا قول الحسن فعلى هذا يكون الخطاب للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. والمراد به أمته؛ وقال مجاهد بل معناه لا تضعف عن الخير أن تستكثر منه، فوجه معنى لا تمنن: أي لا تضعف، من قول العرب حبل منين - إذا كان ضعيفا. وقال زيد: إن لا تمنن بالنبوة والقرآن على الناس تأخذ عليه منهم أجرا وعرضا من الدنيا، وما قدمناه أكثر وأولى.
والهبة للثواب لا تخلو من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يهب على ثواب يرجوه ولا يسميه ولا يشترطه.
والثاني: أن يهب على ثواب يشترطه ولا يسميه.
والثالث: أن يهب على ثواب يسميه ولا يشترطه.
فأما الوجه الأول - وهو أن يهب على ثواب يرجوه ولا يسميه ولا يشترطه - فهو على مذهب ابن القاسم كنكاح التفويض يكون الموهوب له مخيرا ما كانت الهبة قائمة لم تفت بين أن يثيبه ما يكون فيه وفاء بقيمة الهبة، أو يردها عليه؛ ولا تجب عليه القيمة إلا بالفوت؛ وعلى قول مطرف وروايته عن مالك وظاهر قول عمر بن الخطاب: لا يلزم الواهب الرضى بقيمة الهبة إلا بعد فواتها بذهاب عينها، كقول ابن الماجشون في الذي يتزوج المرأة - على حكمها - أنه لا يلزمها الرضى بصداق المثل إلا بعد الدخول، خلاف مذهب ابن القاسم وابن عبد الحكم وأصبغ في قولهم إنه يلزمها الرضى بصداق المثل إذا فرضه لها كالتفويض سواء.