علمت أنّ القول بإثبات النّسخ ووقوعه في كتاب الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم، هو الّذي كان عليه سلف الأمّة وأئمّتها، وذلك بدلالة الكتاب والسّنّة، وتقدّم من البراهين على ذلك ما فيه الكفاية، وأنّ القول بنفي وجود النّسخ مذهب شاذّ ظهر متأخّرا، ثمّ لا يكاد يذكر في أهل الإسلام على مرّ العصور إلّا عن نفر قليل.
ويعود هذا المذهب إلى شبهات تعلّق كلّ قائل بشيء منها، ولا يهمّنا ما شبّه به اليهود وأصحاب الضّلالة من الكفّار، إنّما يجدر التّنبيه على طرف تعلّق به الأفراد الّذين أنكروا النّسخ من أهل الإسلام كبعض أهل زماننا، حسبوها غيرة على القرآن؛ لأنّ طريقة المكثرين من مدّعي النّسخ قد آذتهم، ونحن نوافقهم في دفع الغلوّ في دعوى النّسخ، ولكنّنا ننكر عليهم المصير إلى جحد النّسخ؛ لأنّ ذلك إذا سلم لهم بالتّحريف لتفسير آية ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أو آية وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً، فإنّه لا مفرّ من صحيح السّنن المتواترة عن عهد النّبوّة، وقد سبق ذكر كثير منها في تفاريع موضوع النّسخ، وتركنا منها غيرها ممّا يتعلّق
بوقائع النّسخ؛ لأنّه ليس من موضوع هذه المقدّمة استيعاب ما وقع فيه النّسخ من القرآن.
فمن جحد النّسخ ممّن أشرت إليه فهو ممّن لا خبرة له بالسّنن