والمراد به الإزالة الوقتيّة للعمل بالنّصّ الأوّل، لا إسقاط العمل
به مطلقا، فاستعماله لم يزل قائما، لكنّه موقوف حتّى يكون الوقت الّذي يناسبه، وليس هكذا النّسخ بمعناه الاصطلاحيّ؛ لأنّ هذه الصّورة ليست معارضة بين نصّين نفى المتأخّر منهما المتقدّم.
ومثاله جميع الآيات الآمرة بالعفو أو الصّفح أو الإعراض عن المشركين والكفّار، مع الآيات الآمرة بقتالهم أو بأخذ الجزية منهم، فقد زعم بعض السّلف أنّ القتال أو أخذ
الجزية قد نسخ الحكم الأوّل.
كما قال التّابعيّ قتادة بن دعامة السّدوسيّ: «كلّ شيء في القرآن فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ منسوخ، نسخته براءة والقتال» (?).
وهذا هو الّذي عبّرت عنه طائفة بقولهم: (منسوخ بآية السّيف)، يريدون بقوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التّوبة: 5].
وجميع ذلك ليس من باب النّسخ في شيء، إذ شروط النّسخ منتفية فيه، والعمل بالنّصّين جميعا حاصل.
ولبعض العلماء في هذا النّمط من النّصوص تفسير حسن يبقي على الإعمال للنّصّين، كلّ منهما في وقته المناسب له، ويجعل ترك العمل المؤقّت