ذلك بعض ما يوحى به عنوان الكتاب، أما ما لا يوحي به، مما تجده في ثنايا صفحاته وبين سطوره، فهو مواصلة ذلك الحوار الطّيب المثمر بين عقول هذه الأمّة في شرقها وغربها، الحوار والجدل- وربّما الخلاف- ولكنه خلاف يقطع بحريّة الفكر واستقلال الرأي، ويؤكد- في الوقت نفسه- روح الحرص على التكامل والوحدة.
لقد حدثتك- عزيزي القارئ- من قبل عن صنيع ابن شهيد ت 426 هـ في (التوابع والزوابع) وهو يسعى إلى مساماة كبار شعراء المشارقة، ثم حدثتك عن صنيع ابن سناء الملك ت 608 هـ في (دار الطّراز) وهو يسعى إلى مساماة كبار شعراء المغرب، في الموشحات خاصّة، ثم وهو ينظّر لفنّ التوشيح- المغربيّ النشأة على الأرجح- وها أنت ذا تجد في (المقتطف) ذلك الحوار بين ابن سعيد مؤلّف الكتاب والملك الناصر يوسف الأيوبي سلطان الشام، وفيه يقرّر الأول أن الموشح والزّجل طرازان ابتدأهما المغاربة- يعنى الأندلسيّين- ليقرر الثاني أنّ فنّ الدّوبيت إنما هو من إحسان المشارقة، ليتّفق الرجلان على أنّ المحاسن قد قسّمها الله تعالي على البلاد والعباد.
ألست معي في أننا أرسينا من قديم أسس الحوار والتفاهم حين كان الآخرون يؤسسون للصّراع والتصادم؟
عبد الحكيم راضي سبتمبر 2004
€