قيلت بالأندلس قبل أبى بكر بن قزمان «1» ، ولكن لم تظهر حلاها، ولا انسكبت معانيها، ولا اشتهرت رشاقتها إلا فى زمانه.
وكان فى زمان الملثمين. وهو إمام الزجالين على الاطلاق. وأزجاله المدونة رأيتها ببغداد أكثر مما رأيتها بحواضر المغرب. وسمعت أبا الحسن بن جحدر الأشبيلى «2» إمام الزجالين فى عصرنا يقول: ما وقع لأحد من أئمة هذا الشأن مثل ما وقع لابن قزمان، شيخ الصناعة. وقد خرج إلى منتزه مع بعض أصحابه، فجلسوا تحت عريش، وأمامهم أسد من رخام يصب ماء كثيرا على صفاح مدرج، وهو قوله:
وعريش قد قام على دكّان ... بحال رواق
وأسد قد ابتلع ثعبان ... به غلظ ساق
وفتح فمو بحال انسان ... به الفواق
وانطلق من ثم على الصّفاح ... وألقى الصّياح
وكان ابن قزمان مع أنه قرطبى الدار كثيرا ما يتردد إلى اشبيلية وينتاب نهرها.
فاتفق أن ركبه يوما مع أعلام هذا الشأن فى عصره، وقد جمعهم ابن حسيب من حسبائها وأغنيائها فى زورق برسم الصيد، فاقتضى الحال أن ابتدأ منهم عيسى البليد الأشبيلى «3» فقال:
يطمع بالخلاص قلبى وقد فات ... وقد ضمّ العشق لشهمات
نراه قد حصل سكين فى محناب ... يقلق وكذاك أمر عظيم صاب
توحش الجفون الكحال ان غاب ... وذيك الجفون الكحال أبلات