العتيقة أننى أوقظ. أهلا لى ناموا فترة القيلولة كى يستريحوا كعادتهم بعد غداء ثقيل، تلك العادة التى ورثها الإسبان منهم حتى اليوم.
لقد كنت أحس أننى قادم لزيارة ابن زيدون والأعمى التطيلى وابن قزمان وابن باجه وابن رشد، وكنت أتوهم أننى أسمع موسيقى تصدح من تلك البيوت الأندلسية التى ما زالت تحتفظ. بالطراز المعمارى العربى. وغناء الموشحات الأندلسية التى تطرب وترقص على حد تعبير ابن سعيد، وكأن عصا زرياب التى ابتكرها حين هاجر إلى الأندلس ليقود بها الفرق الموسيقية، ويشير بها إلى مجموعات المغنين كى تشارك بأصواتها ذوات الدرجات الصوتية المختلفة عصا ساحر يخرس بها كل صوت آخر غير صوت الموسيقى والغناء.
وقيض الله لى أيضا- وهذا من بالغ فضله وكرمه- أن أزور أمريكا اللاتينية وأعمل أستاذا زائرا ببعض جامعاتها مدة تزيد على ثلاث سنوات، وأدهشنى حقا أن العرب الذين قادوا الأسبان إلى هذه القارة الجديدة كرجال بحر وفلك قد أحسوا أنهم وجدوا فيها أرضا أخرى، ينقلون إليها حضارتهم كما فعلوا فى كل أرض نزلوا بها، ويستطيع العربى المعاصر الدارس لحضارة أجداده أن يلمح فى كل لفتة إنسان، وكل عادة غير مألوفة للأوروبيين أصولها العربية القديمة، كما يستطيع أن يرى فى بعض الطرز المعمارية ارتباطها بالنظام المعمارى العربى المألوف، أما الموسيقى والغناء وخاصة الشعبى منهما فهما الابنان الشرعيان للأندلس العربي المتحضر. نعم قد يكون للإسبان الفاتحين ذوى الأصول العربية، المحملين ببذرة الحضارة الأندلسية تأثير فى ذلك، ولكنه تأثير مشارك.
وأخيرا جاءت الفرصة، وقررت أن أحقق واحدا من كتب أحد أدباء ومؤرخى الأندلس العظام وهو على بن موسى بن محمد بن عبد الملك بن سعيد المعروف بابن سعيد المغربى أو الأندلسى، واستشرت أساتذة لى وزملاء وهم الدكتور عبد العزيز الأهوانى والدكتور شوقى ضيف والدكتور محمود مكى، وكان رأيهم أن كتاب