الرجل. ففعل. وانتهى الأعشى مع ابن زياد إلى موضعه، ثم سلم عليه. وفارقه ابن زياد، فدعا بالسكران، فقال له غلامه: أمرني عنك الفقيه أبو عبد الله بإطلاقه، ففعلت، ولم أتهمه. فقال: أو فعلها؟ فهي من فعلاته! وابتسم، وقال: لعمري لقد أحسن! قال ابن حارث: وما أعرف ما أتى عن القضاة والحكام في هذا الباب من الإغضاء عن السكارى والتغافل لهم وجهاً يتسع لهم القول فيه، وينساغ لهم العذر فيه إلا وجهاً واحداً: وهو أن حد السكران من بين الحدود كلها لم ينصه الكتاب المنزل، ولا ورد فيه حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وإنما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل قد شرب، فأمر أصحابه أن يضربوه على معصيته، فضرب بالنعال وبأطراف الأردية.
وتوفي صلى الله عليه وسلم ولم يحد في ضرب السكران حداً يلحق بسائر الحدود. فلما نظر أبو بكر الصديق رضي الله عنه في ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشار أصحابه قال له علي بن أبي طالب رحمه الله إنه من شرب سكر، ومن سكر هذي، ومن هذي افترى ومن افترى وجب عليه حد الافتراء، فأرى أن تضرب الشارب ثمانين: حد المفتري. فقبل ذلك منه هو والصحابة رحمة الله عليهم.
وذكر الحديث أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال عند موته: ما شيء في نفسي منه شيء غير حد الخمر، فإنه شيء لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو شيء رأيناه بعده.