تاكرونا، لم يحفظ لأولهم نباهة، فسبق الأمير عبد الرحمن بن الحكم إلى اصطناع جدهم محمد بن سعيد هذا، وبلا منه فهماً ومعرفة وصيانة وجزالة استخدمه لها، فرقاه في منازل خدمته، واستكتبه واستخصه، فسما بيته، ولحق بأشراف الدولة.

وقرأت في كتاب القاضي أبي الوليد ابن الفرضي المولف في طبقات أهل الدولة والأدب بالأندلس، قال:

هو أبو عبد الله محمد بن سعيد بن موسى بن عيسى الزجالي - هو فخذ من بتر البرابر بالأندلس -، وكان يلقب بالأصمعي لعنايته بالأدب وحفظه للغة، وكان من أقوم أهل زمانه بها، وكان له حظ وافر من البلاغة، ونصيب حسن من صوغ القريض، ولم يكن لهؤلاء الزجاليين المقحمين في بيوت الشرف بقرطبة قبل جدهم محمد هذا قدم رياسة، ولا سالف صحبة للسلطان، ولا تشبث بخدمته، فهو أول من نجم فيهم وصارت له منزلة لديهم، كان سببها - زعموا - أن الأمير عبد الرحمن بن الحكم عثرت به دابته وهو سائر في بعض أسفاره، وتطأطأت، فكاد يكبو لفيه، فلحقه جزع تمثل إثره لما استقلت به مطيته بقسيم بيت جرى بفيه، وهو: من الطويل.

وما لا يرى مما يقي الله أكثر

وطلب صدر البيت، فعزب عنه، وتعلق باله به، فسأل عنه أصحابه، فأضلوه وأمر بسؤال كل من تسمى بمعرفة في عسكره، فلم يكن أحد يقف عليه غير محمد بن سعيد هذا الزجالي، لما أراده الله تعالى من تحريكه، فقال لسائله؛ حاجة الأمير عندي، فليدنني أتمها له. فأدناه، فقال له أصلح الله الأمير، أول هذا البيت:

ترى الشيء مما يتقي فتهابه ... وما لا نرى مما يقي الله أكثر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015