فموقعكم من الملوك موقع أسماعهم التي بها يسمعون، وأبصاركم التي بها يبصرون، وألسنتهم التي بها ينطقون، وأيديهم التي بها يبطشون، فأمتعكم بما خصكم من فضل صناعتكم، ولا نزع ما أضفاه1 من الثقة عليكم ...

فتنافسوا يا معشر الكتاب في صنوف الآداب، وتفقهوا في الدين، وابدءوا بعلم كتاب الله عز وجل والفرائض، ثم العربية فإنها ثقاف2 ألسنتكم، ثمهم أجيدوا الخط فإنه حلية كتابتكم، وارووا الأشعار واعرفوا غريبها ومعانيها، وأيام العرب والعجم وأحاديثها وسيرها، فإن ذلك معين لكم على ما تسمو إليه هممكم، ولا تضيعوا النظر في الحساب، فإنه قوام كتاب الخراج، وارغبوا في أنفسكم عن المطامع سنيها ودنيها، وسفاسف الأمور ومحاقرها، فإنها مزلة للرقاب، مفسدة للكتاب، ونزهوا صناعتكم عن الدنايا، واربئوا بأنفسكم عن السعاية والنميمة وما فيه أهل الجهالات".

فقد وضح عبد الحميد في رسالته ما ينبغي أن يتحلى الكاتب به من صفات شاملة، وحين نمضي في قراءة الرسالة حتى نهايتها نشعر أنها مقال يتناول فكرة واحدة معينة، يرتكز الكاتب عليها، ويمارسها من جوانب عدة، وهذا ما يتطلبه المقال الحديث.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015