كنت في جوارك، وقد أحببت أن أخرج منه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَلِيَ به وبأصحابه أسوة، فقال: فلعلك يا ابن أخي أوذيت أو انتهكت قال: لا، ولكن أرضى بجوار الله تعالى، ولا أستجير بغيره، قال: فانطلق إلى المسجد فاردد إليَّ جواري علانية؛ كما أجرتك علانية، فقال: انطلق، فخرجا حتى أتيا المسجد، فقال الوليد: هذا عثمان بن مظعون قد جاء ليرد عليَّ جواري، فقال عثمان: صدق وقد وجدته وفيًّا كريم الجوار، وقد أحببت أن لا أستجير بغير الله تعالى، وقد رددت عليه جواره، ثم انصرف عثمان بن مظعون ولبيد بن ربيعة هذا في مجلس قريش، فجلس معهم عثمان وهو ينشدهم:

ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... ....................

فقال عثمان: صدقت، قال لبيد:

.......................... ... وكل نعيم لا محالة زائل

فقال عثمان: كذبت، فالتفت القوم إليه، فقالوا للبيد: أعد علينا فأعاد لبيد، فأعاد عثمان بتكذيبه مرة وبتصديقه مرة، وإنما يعني عثمان؛ إذ قال كذبت يعني: نعيم الجنة لا يزول، فقال لبيد: والله يا نفر قريش ما كانت مجالسكم هكذا، فقام سَفِيهٌ منهم على عثمان بن معظون فلطم عينيه فاخضرت، فقال [له] (?) مَنْ حوله: والله يا عثمان لقد كنت في ذمة منيعة، وكانت عينك غنية عما لقيت، فقال: جوار الله آمن وأعز، وعيني الصحيحة فقيرة التي ما لقيت أختها، ولي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن (?) آمن معه أسوة، فقال الوليد: هل لك في جواري؟، فقال عثمان: لَا أَرَبَ لي في جوار أحد إلا في جوار الله تعالى، ثم هاجر عثمان -رضي الله تعالى عنه- إلى المدينة.

قلت: الجواب عن ذلك من وجهين:

الأول: أن لبيدًا إنما قال ذلك قبل أن يسلم، فيمكن أن يكون اعتقاده [في] (?) ذلك الوقت أن الجنة لا وجود لها، أو كان يعتقد وجودها، ولكن لا يعتقد دوامها كما ذهبت (?) إليه طائفة من أهل الأهواء والضلال.

والثاني: أنه يمكن أن يكون أراد به ما سوى الجنة من نعيم الدنيا؛ لأنه كان في صدد ذم الدنيا، وبيان سرعة زوالها، وأما تكذيب عثمان بن مظعون - رضي الله عنه - إيَّاه؛ فلكونه حمل الكلام عن العموم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015