المطلب الثاني: مفهوم العبودية الشامل في ضوء النصوص الشرعية

سبق أن ذكرنا تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية للعبادة، بأنها: "اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والعمال الباطنة والظاهرة".

فالعبادة على هذا لا تقتصر على أركان الإسلام فحسب؛ من صلاة، وصيام، وزكاة، وحج. بل إن الإسلام أسبغ على أعمال الإنسان كلها صفة العبادة، إذا تحقق فيها شرطا قبول العمل، وهما1:

أولا: الإخلاص؛ بأن يكون العمل خالصا لوجه الله الكريم، كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء} [البينة: من الآية5] . فينوي العبد أن يكون عمله، وقوله: وإعطاؤه، ومنعه، وحبه، وبغضه لله وحده، لا شريك له؛ إذا الأعمال لا تقوم إلا بالنيات، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إعمال بالنيات" 2؛ فالنية تتحكم في العمل، وتقلبه إلى عبادة.

ثانيا: المتابعة؛ بأن يكون العمل على منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهديه القويم، كما قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: من الآية7] . فالأعمال لا اعتبار لها إلا إذا كانت على الوجه الذي رسمه الشرع. روت أم المؤمنين عاشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد" 3.

وكل عمل بلا متابعة، فإنه لا يزيد عامله إلا بعدا من الله؛ فإن الله عز وجل إنما يعبد بأمره، لا بالأهواء، ولا الآراء.

والمسلك الحسن ليس في إخلاص العمل لله عز وجل فحسب، ولا في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فقط، بل في مجموعهما معا، فإن الله عز وجل ذكر العمل الصالح، فقال: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: من الآية 110] ، والعمل الصالح هو الخالص الصواب، فإذا جمع العمل هذين الشرطين، كان عبادة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015