هاتان الآيتان حكمتا بكفر المستهزئين بالله، أو بدينه، أو بكتابه، أو برسوله، ولنزولهما سبب، أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره عن ابن عمر -رضي الله عنهما، وفيه: "أن رجلا قال في غزوة تبوك، في مجلس: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء؛ فقال رجل في المجلس: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن. قال عبد الله بن عمر: فأنا رأيته متعلقا بحقب1 ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة2، وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} "3.
فدلت هاتان الآيتان على كفر المستهزئ بالله عز وجل، أو بآياته، أو برسوله صلى الله عليه وسلم.
فائدة: سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هل تنطبق الآيتان السابقتان على الذين يسخرون ويستهزئون بالذين يعفون لحاهم، ويلتزمون بدين الله؟ فأجاب رحمه الله: "هؤلاء الذين يسخرون بالذين يلتزمون بدين الله، المنفذين لأوامره، إذا كانوا يستهزئون بهم من أجل ما هم عليه من الشرع، فإن استهزاءهم بهم استهزاء بالشريعة، والاستهزاء بالشريعة كفر. أما إذا كانايستهزئون بهم، يعنون أشخاصهم -بقطع النظر عما هم عليه من اتباع السنة في الثياب واللحية؛ فإنهم لا يكفرون بذلك؛ لأن الإنسان قد يستهزئ بالشخص نفسه، بغض النظر عن عمله وفعله. لكن يجب على كل إنسان أن يحذر من الاستهزاء بأهل العلم، أو الاستهزاء بأهل الدين الذي يتمسكون بما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم"4.