قال الإمام المازري: "هي ما أخذ عليهم في أصلاب آبائهم، وأن الولادة تقع عليها، حتى يحصل التغيير بالأبوين"1؛ فالإنسان لو ترك على أصل خلقته التي خلقه الله عليها؛ "الفطرة"، دون أن تتدخل المؤثرات الأخرى، لكان من المؤمنين المسلمين2.
والتحول عن الفطرة أساسا، إنما هو من فعل الشيطان، ووسوسته، وإغوائه.
5- إن كل مولود في العالم يقر بأن الله خالقه وربه، ولو عبد غيره؛ كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت: 61] ، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [الزخرف: 87] {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [العنكبوت: 63] ؛ فالفطرة تدل على توحيد الربوبية.
6- إن الفطرة تدل على توحيد الألوهية؛ لأن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية؛ فمن أيقن أن الله ربه وخالقه، فلا بد أن يصرف العبادة له وحده، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21-22] ؛ فالإنسان إذا آمن بأن الله عز وجل هو الخالق، الرازق، المحيي، المميت، المعطي، المانع، الضار، النافع، بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، فلا بد أن ينتهي به الأمر إلى أنه المعبود بحق وحده، لا شريك له؛ فيخضع قلبه له محبة، وإنابة، وذلا، وخوفا، وخشية، وتوكلا؛ إذ كيف يعبد، أو يخاف، أو يحب محبة عبادة، أو يتوكل على مخلوق لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا.