الفرع الأول: التوحيد هو الأصل في البشر تاريخا
ثمة شبهة أثيرت، مفادها أن الأصل في الإنسان أنه مشرك، وأن التوحيد طارئ عليه.
وقد زعم أصحاب هذه المقولة أن الإنسان عرف الشرك وتعدد الآلهة أولا، ولم يعرف عقيدة التوحيد إلا بعد أن تطورت ومرت بعدة مراحل.
ويرد عليهم بأن التوحيد هو الأصل في البشر تاريخا للأدلة التالية:
1- إن الغاية من خلق آدم عليه السلام وذريته هي عبادة الله وحده، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] .
2- آدم عليه السلام أبو البشر، وحواء أمهم كانا على التوحيد، وحين أكلا من الشجرة، علما أن لهما ربا يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات، فتضرعا إليه قائلين: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: من الآية 23] .
3- إن الله اصطفى آدم عليه السلام، وشرفه بذلك، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33] ، ولا يكون الاصطفاء لمشرك. وقد أمر ملائكته بالسجود له، يقول عز وجل: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34] .
4- إن الله عز وجل قد أخذ العهد والميثاق على بني آدم، وهم في صلب أبيهم آدم عليه السلام أنه ربهم، وأشهدهم على أنفسهم، كما قال مولانا عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف: 172-173] .