قال: "صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمذان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع؛ أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحي الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا. فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت" 1.
فـ "أول ما حدثت الأصنام على عهد نوح عليه السلام، وكانت البناء تبر الآباء، فمات رجل منهم، فجزع عليه، فجعل لا يصبر عنه؛ فاتخذ مثالا على صورته، فكلما اشتاق إليه نظره، ثم مات ففعل به كما فعل، حتى تتابعوا على ذلك. فمات الآباء، فقال الأبناء: ما اتخذ آباؤنا هذه إلا أنها كانت آلهتهم. فعبدوها2.
فكان تساهلهم في تصوير هؤلاء الصالحين وتعليق صورهم في مجالسهم، من أسباب عبادة ذريتهم لهذه التماثيل من دون الله عز وجل. يقول الإمام القرطبي رحمه الله: "إنما فعل ذلك أوائلهم ليأتنسوا برؤية تلك الصور، ويتذكروا بها أحوالهم الصالحة، فيجتهدون كاجتهادهم، ويعبدون الله تعالى عند قبورهم؛ فمضت لهم بذلك أزمان. ثم إنه خلف من بعدهم خلف جهلوا أغراضهم، ووسوس لهم الشيطان أن آباءهم وأجدادهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها. فعبدوها. فحذر النبي صلى الله عليه وسلم من مثل ذلك، وشدد النكير والوعيد على فعل ذلك، وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك"3.
وقد دلت الأحاديث الكثيرة على تحريم التصوير، خشية أن يؤدي تعليقها، والافتتان بها إلى عبادتها من دون الله عز وجل، ومن هذه الأحاديث: