الكلبي، دون أن يشير إليه- على وجود أسفار في تواريخ أهل الحيرة؛ إلا أني أعود فأقول إن أكثر المروي عنهم، لا يدل على أنه منقول من موارد مدوّنة: لما فيه من اضطراب وتناقض، ولغلبة طابع الروايات الشفوية عليه. والأخبار الوحيدة التي يمكن أن تكون منقولة من موارد مدوّنة، هي الأخبار المتأخرة التي تعود إلى أواخر أيام الحيرة، الأيام المقاربة للإسلام إلى زمن فتح المسلمين لها. ثم إن لقربها من زمن التدوين علاقة بوضوح هذه الأخبار المتأخرة وبدرجة صفائها.

ولا تعني هذه الملاحظات أننا ننكر وجود مدوّنات عند أهل الحيرة في التاريخ أو في الشعر أو في أي موضوع آخر، ولا أعتقد أن في استطاعة أحد نكران وجود التأليف عندهم. فقد ورد في التواريخ الكنائسية أسماء رجال من أهل الحيرة ساهموا في المجالس الكنائسية التي انعقدت للنظر في أمور الكنيسة ومشكلاتها، ومنهم من برز وألّف في موضوعات دينية وتاريخية، كما ورد في أخبار أهل الأخبار أن أهل الحيرة كانوا يتداولون قصص رستم واسفنديار وملوك فارس، وأن "النضر بن الحارث" الذي كان يعارض الرسول، تعلّم منهم، وكان يحدّث أهل مكة بأخبارهم معارضًا رسول الله، ويقول: أينا أحسن حديثًا؟ أنا أم محمد1؟

ولا بد أن يكون معين القصص الذي تعلمه "النضر بن الحارث هو في هذا المعين المدون في كتب الفرس. وقد كانت للفرس كتب في سير ملوكهم وآدابهم ترجم بعضها في الإسلام، مثل كتاب "سير العجم"2، أو "كتاب خداي نامه"3، أو كتاب "سير الملوك" أو "سير ملوك العجم"، ترجمة "عبد الله بن المقفع"4 و "كتاب التاج"5 للمترجم نفسه، وكتب أخرى لم تترجم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015