فكان يقاربهم، ثم خرج إلى الشام فنزل على "آل جفنة" فأكرموه ووصلوه، وسأل الرهبان والأحبار، فدعوه إلى دينهم فامتنع، ثم خرج إلى مكة معتمرا، فبلغ "زيد بن عمرو بن نفيل" فكلمه، فكان يقول: "ليس أحد على دين إبراهيم إلا أنا وزيد بن عمرو بن نفيل" ولما قدم النبي إلى المدينة جاء إليه فقال: إلام تدعو؟ فذكر له شرائع الإسلام. فقال: ما أحسن هذا وأجمله! فلقيه "عبد الله بن أبي بن سلول"، فقال: لقد لذت من حزبنا كل ملاذ، تارة تحالف قريشا، وتارة تتبع محمدا. فقال: لا جرم لأتبعنه إلى آخر الناس. وقد اختلف في إسلامه، والأغلب أنه لم يسلم1. وذكر أنه كاد أن يسلم، لما اجتمع برسول الله، ولكن كلام "عبد الله بن أبي" أثر عليه، فقال: والله لا أسلم سنة. ثم انصرف إلى منزله، حتى مات قبل الحول، وذلك في ذي الحجة على رأس عشرة أشهر من الهجرة2.
وفي سيرة "ابن هشام" قصيدة نسبت إلى "أبي قيس بن الأسلت" زعم أنه وجهها لقريش ينهى فيها عن الحرب ويأمرهم بالكف بعضهم عن بعض، ويذكر فضلهم وأحلامهم، ويأمرهم بالكف عن رسول الله، ويذكرهم بلاء الله عندهم ودفعه عنهم الغيل وكيده عنهم. وأول القصيدة:
يا راكبا أما عرضت فبلغن ... مغلغلة عني لؤي بن غالب
رسول امرئ قد راعه ذات بينكم ... على النائي مخزون بذلك ناصب3
وهو من أصحاب المذهبات، ومطلع مذهبته:
قالت ولم تقصد لقول الخنى ... مهلا فقد أبلغت أسماعي4
ونسب له قوله:
ولو شا ربنا كنا يهودا ... وما دين اليهود بذي شكول