فانتدب رجل منهم فجعل الراحلة من نصيبه وأفقرها عروة، أي منحها إياه منيحة إذا استغنى عنها ردها؛ فقال عروة يذكر أصحاب الكنيف والتواءهم عليه تلك الأبيات المتقدمة1.

فهو في الأبيات المتقدمة يذكر أن الإنسان ذليل كسير ما دام فقيرا، يتقرب إلى القوي ويتبصبص له، ويتظاهر بحبه وإخلاصه له، فإذا نال حاجته، أو اغتنى تبطر على من كان محتاجا إليه، وتعاظم عليه، ونال منه.

وقد عرف "عروة" بـ "أبي الصعاليك" قيل إن الناس كانوا إذا أصابتهم السنة أتوه "فجلسوا أمام بيته حتى إذا بصروا به صرخوا وقالوا: يا أبا الصعاليك، أغثنا". فيخرج ليغزو بهم2. وقد كان يعد صعاليكه "عياله"3، وكان يرعاهم ويحدب عليهم حدب الوالد على عياله، ويخرج بالقوي منهم للغزو، بحثا عن غنيمة ينالها لإشباع أتباعه الجياع الصعاليك، بمال غني جمع غناه بالعقوق وبالبخل، لأنه لا يرضى أن يرى إخوانا له يهلكون من الجوع، ثم لا يجد ما يقدمه لهم لسد رمقهم4، وهو يطوف لذلك في البلاد باحثا عن غني ينفق منه على المعوزين وذوي الحاجات. وشر الناس في هذه الدنيا الفقير، يباعده القريب لفقره، وتزدريه حليلته، ولا يحترمه أحد؛ بينما يعظم الغني ويحترم، لا لسبب إلا لماله ولغناه، ذنبه قليل في نظر الناس، لأنه غني، وللغني رب غفور:

ذريني للغنى أسعى فإني ... رأيت الناس شرهم الفقير

وأدناهم وأهونهم عليهم ... وإن أمسى له حسب وخير

يباعده القريب وتزدريه ... حليلته ويقهره الصغير

ويلقى ذو الغنى وله جلال ... يكاد فؤاد لاقيه يطير

قليل ذنبه والذنب جم ... ولكن للغنى رب غفور5

طور بواسطة نورين ميديا © 2015