بالنبط وبالآراميين وأمثالهم، قد عرض لسانها إلى الأخذ من ألسنتهم وإلى التأثر بهم، حتى بان ذلك عليه، وهذا ما حمل علماء اللغة على عدم الاستشهاد به في جملة الشواهد. وأنا لا أستبعد احتمال وجود خصائص به، ميزته عن العربية القرآنية، بدليل أن أعراب الصفا "الصفاة"، وهم من أعراب بلاد الشأم، كانوا يتكلمون ويكتبون بعربية مباينة لعربيتنا، وقد تكلمت عن عربيتهم في الجزء السابع من كتابي القديم: تأريخ العرب قبل الإسلام، وأرض الصفا هي من مواطن تلك المجموعة.
وذهب "جرجي زيدان"، كما سبق أن قلت، إلى أن قيسًا أكثر القبائل عددًا في شعرائهم، تليها اليمن، فربيعة، فمضر، فقريش، فإياد. وقدر عدد شعراء الجاهلية الذين وصلتنا أخبارهم ب "125" شاعرًا، وزعهم على هذا النحو: ثلاثين شاعرًا في قيس، وثلاثة وعشرين شاعرًا في اليمن، وواحد وعشرين شاعرًا في ربيعة، وستة عشر شاعرًا في مضر، واثني عشر شاعرًا في تميم، وعشرة شعراء في قريش، وأربعة شعراء في قضاعة، وشاعرين في إياد. وشاعر واحد من أصل غير عربي، أي مولى1.
وقد سمى "أبو الفرج" لمضر سبعة وستين شاعرًا، ولليمن أربعين، وربيعة ثلاثة عشر: وسمى شعراء آخرين، منهم من يتصل بجديس، ومنهم من يتصل بجرهم2.
نرى مما تقدم أن الشعراء كانوا من مضر، ومن ربيعة، وهما من عدنان، كما كانوا في القبائل القحطانية ويذكر أهل الأخبار أن حظ القبائل المضرية من الشعر، كان أحسن حالًا من حظ ربيعة وقحطان، وأن حظ قبائل كل مجموعة من هذه المجاميع الثلاث كان متفاوتًا، فبينها المكثر، وبينها المقل. ولا نستطيع إرجاع سبب تفوق القبائل المضرية على قبائل ربيعة أو قحطان إلى اللغة، لأننا لا نملك حتى الآن صورة واضحة علمية عن اصل اللغة العربية التي نظم بها الشعر والتي نزل بها القرآن، حتى نستطيع البت بموجبها في موضوع هذا التفوق. وإذا جارينا أهل الأنساب في تقسيمهم العرب إلى عدنانيين وقحطانيين، جاز لنا حينئذ