يقول علماء الشعر طويل النفس، وإنما كان أبياتًا، وقد بقي هذا حاله حتى أيام الأمويين، فطول ولقي عناية خاصة عند كثير من الشعراء، فأخذوا يذهبون به مذهب القصيد، فقصدوه، بأن جعلوه قصائد، وعمدوا إلى تخفيف ما تتركه بساطة العروض وسهولته في النفس من ملل، بأن لجئوا إلى استعمال العبارات البعيدة المأخذ، والألفاظ الغريبة، والاختراعات اللطيفة، حتى تمكنوا من إدخاله إلى قصور الخلفاء الأمويين، ومن نيل الجوائز والألطاف منهم1.

ويعود الفضل في رفع مستوى الرجز في الإسلام، إلى رجلين من "بني عجل"، هما: "الأغلب بن عمرو" العجلي، "21هـ"، و "أبو النجم الفضل بن قدامة" العجلي، وإلى رجال من "تميم"، على رأسهم: "العجاج" "97هـ" وابنه "رؤبة": المتوفى سنة 145هـ" وقيل "147هـ"، و "عقبة" ابن "رؤبة" هذا، و "أبو المرقال الزفيان"، و "دكين بن رجاء" الفقيمي، و "محمد بن ذؤيب" الفقيمي العماني2.

ولا نمك شعرًا يمكن أن يقال عنه إنه أقدم ما وصل إلينا من مراحل الشعر الجاهلي. حتى هذا الرجز، الذي ينظر إليه المستشرقون على أنه أول مرحلة من مراحل الشعر الجاهلي، لبساطته ولسهولته، ولكونه وسطا بين السجع والشعر، لا نملك نماذج منه، يمكن أن نطمئن إلى أنها كانت من الشعر القديم، الذي يصلح للاستشهاد به على أنه من قديم الشعر، إذ لم يحفل علماء الشعر بالرجز لاعتبارهم إياه دون الشعر، فلم يدونوا منه شيئا يذكر، ولذلك نجد نسبته بالنسبة إلى كمية الشعر الآخر "التقليدي" نسبة ضئيلة جدًّا، وهذا ما جعل علمنا بالرجز الجاهلي قليلًا جدًّا.

ولسهولة الرجز، ولقابليته على الخروج على كل لسان، أرى أنه كان أكثر نظمًا من الشعر المألوف، ودليل ذلك أننا لو درسنا أخبار الأيام وأخبار الغزو والمعارك نجد للرجز فيها مكانة كبيرة، فالمحارب الذي يقرع خصمه ويتجالد معه يرتجز رجزًا في الغالب لسهولته على اللسان ولمناسبته لمقرعة السيوف، وللوقت القصير الذي يكون عنده ليقضي فيه المحارب على من يحاربه، ثم إن في استطاعة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015