من هذا القبيل، تجدها في طبقاته، فقد شك في أكثر شعر عبيد بن الأبرص، ولم يثبت لديه من شعره إلا ثلاث قصائد1.

وطريقة ابن سلام في قبول الشعر وفي صحته، هو إجماع علماء الشعر واجتهادهم، فإذا قرر علماء الشعر قبول شعر ووثقوا به وثبتوه، صار مقبولًا في نظره، لأنهم هم الذي يميزون بين الصحيح وبين الفاسد، "وليس يشكل على أهل العلم زيادة الرواة، ولا ما وضعوا، ولا ما وضع المولدون". فالعلماء هم صيارفة الشعر يستطيعون نقده، واستخراج الزائف منه ورميه، وهو لا يبالي بعد ذلك بما روى ابن إسحاق وأمثاله من شعر "لا خير فيه ولا حجة في عربيته، ولا أدب يستفاد ولا معنى يستخرج ولا مثل يضرب، ولا مديح رائع ولا هجاء مقذع، ولا فخر معجب، ولا نسب مستطرف"2.

أما ما روي من شعر على ألسنة ملوك حمير وأقيال اليمن وأذوائها، فإن العارفين بالشعر الجاهلي وبأساليبه وبروايته، يرون أنه شعر لا يطمأنّ إلى صحته، وضع على ألسنة من نسب إليهم. وقد رواه أناس من أهل اليمن عرف معظمهم برواية القصص والأساطير وعرف بعضهم بروايتهم القصص الإسرائيلي. أما المعروفون بأنهم حملة الشعر ورواته من القدامى، فلم يرووا شيئًا يذكر من ذلك الشعر، وأما رجال العلم بالنحو وبقواعد العربية، فلم يستشهدوا به في شواهدهم، مما يدل على أن لهم رأيًا فيه. وقد ذكر أهل الأخبار أن ابن مفرغ يزيد بن ربيعة، وكان يزعم أنه من حمير، وضع سيرة تبَّع وأشعاره3.

وكان أول من لفت الأنظار ومهد الجادة لمن جاء بعده من المستشرقين الراغبين في دراسة الشعر الجاهلي العالم الألماني "نولدكه" "Theodor Noldeke" في كتابه، رضي الله عنهeitrage zur kenntniss der poesie der صلى الله عليه وسلمlten صلى الله عليه وسلمraber" الذي طبعه سنة "1864م". وقد تطرق في مقدمته إلى تأريخ ونقد الشعر الجاهلي، وإلى ما ورد عن مبدأ هذا الشعر، وعن ابتدائه بالرجز. وقد ذهب إلى أن هذا الشعر الجاهلي الواصل إلينا، والمحفوظ في الكتب، لا يمكن أن يرتقي إلى أكثر من السنة "500" للميلاد. ثم تطرق إلى التطور الذي أحاق بالأفكار والآراء والمعاني الواردة في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015