حديثًًا في بلادهم؛ فلم أسمع من الاثنين جوابًا، وإني إذ أكتب هذه الملاحظة المرّة المؤسفة؛ إنما أرمي بها إلى التنبيه ولفت أنظار أولي الأمر أصحاب الحكم والسلطان؛ فمن واجب المسئول إجابة السائل، ولا سيما أن القضية قضية تخص البلاد المذكورة بالذات والعرب عمومًا، وقبيح أن ينبري الغريب، فيساعد طالب بحث عن تأريخ أمته وإخوته، ويستنكف المسئولون من أبناء هذه الأمة عن تنفيذ طلب لا يكلفهم شيئًا، وهو خطير يتعلق بتأريخ هذه الأمة قبل الإسلام وإذاعته أولًا، وهو واجب من واجباتهم التي نصبوا من أجلها ثانيًا.
لقد تمكن الباحثون في التأريخ الجاهلي، من سياح وعلماء، من الارتقاء بتأريخ الجاهلية بمئات من السنين قبل الميلاد، وذلك على وجه صحيح لا مجال للشك فيه، مع أن بحوثهم هذه لم تنزل سوى أمتار في باطن الآثار وفي أماكن محدودة معينة، وسوف يرتفع مدى هذه التأريخ إلى مئات أخرى، وربما يتجاوز الألفي سنة أو أكثر قبل الميلاد إذا أتيحت الفرص للعلماء في الحفر في مواضع الآثار حفرًا علميًا بالمعنى الحديث المفهوم من "الحفر". وأنا لا أستبعد بلوغ هذا التأريخ الجاهلي في يوم من الأيام التأريخ الذي وصل إليه العلماء في مصر وفي العراق، أو في أماكن أخرى عرفت بقدم تأريخها، بل لا أستبعد أيضًا أن يتقدم هذا التأريخ تأريخ بعض الأماكن المذكورة.
وبعد هذا، لا بد لي هنا من الاعتراف بفضل رجل، له على هذا الكتاب وعلى الكتاب الأول يد ومنّة، وله كذلك على مؤلفهما فضل سابق، يسبق زمن تأليف كتابيه بأمد طويل، هو فضل الإرشاد والتوجيه والتعليم. وأريد به الأستاذ العلامة الفاضل السيد محمد بهجت الأثري، العضو العامل في مجمع اللغة العربية بالقاهرة وعضو المجمع العلمي العربي بدمشق، وعضو المجلس الأعلى الاستشاري للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة؛ فلقد كان لي ولأمثالي من الدارسين والباحثين -ولا يزال- مرشدًا وموجهًا ومشوقًا لدراسة التراث العربي والتراث الإسلامي والتأليف وفي ذلك، مذ كنت تلميذه في الإعدادية المركزية ببغداد أتلقى عنه في جملة من كانوا يتلقون عنه الأدب العربي؛ فكان يشوّقنا بأسلوبه الجذاب، وبتأثيره القوي المعروف، إلى التوسع في دراسة الأدب العربي وتأريخ الأمة العربية، وهو ما برح يحثّني على الإسراع في إتمام هذا الكتاب وإخراجه للناس، قارئًا مسوداته، ومبديًا آراءه، وإرشاداته وملاحظاته القيمة، التي أفادتني -والحق