"دهن أحد شقي رأسه، وأرخى إزاره، وانتعل نعلا واحدة"1. وقد ذكر "المرتضي"، في خبر وفود العامريين على النعمان بن المنذر، وكان فيهم "لبيد بن ربيعة"، وهو يومئذ غلام له ذؤابة، وكان القيسيون قد صدوا وجه النعمان عنهم، فأرادوا تقديم "لبيد" ليرجز بالربيع بن زياد رجزًا مؤلِمًا ممضًّا، وكان هو الذي صرف الملك بالطعن فيهم وذكر معايبهم، فحلقوا رأسه وتركوا له ذؤابتين وألبسوه حلة وغدوا به معهم، فدخلوا على النعمان. فقام وقد دهن أحد شقي رأسه وأرخى إزاره وانتعل نعلا واحدة على فعل شعراء الجاهلية إذا أرادت الهجاء، ثم أنشد رجزه الذي أثر في النعمان، حتى صار سببًا في إبعاد "الربيع بن زياد" عنه2.

وإذا أراد شاعر إنشاد شعر، وقف وأنشد شعره، بأسلوبه الخاص في الإنشاد3. وقد يترنمون في إنشادهم ليكون الإلقاء أوقع أثرًا في نفوس السامعين. وقد يلقي راوية الشاعر شعر شاعره إذا كان أقدر منه على الإنشاد. وذكر أن "النشيد" هو الشعر المتناشد بين القوم ينشد بعضهم بعضًا، ومنه نشد الشعر وأنشده، إذا رفعه. وأنشد بهم، هجاهم، "وفي الخبر أن السليطين قالوا لغسان: هذا جرير ينشد بنا، أي يهجونا"4. لا يخلو الإنشاد من الترنم على اللحن الذي يتسمح به الطبع، ومن مد الصوت، ليكون للشعر وقع على نفوس سامعيه، وتأثير جميل على المنصتين له.

وذكر أن الشعراء كانوا لا ينشدون إلا قيامًا، وقد يعلو أحدهم موضعًا مشرفًا، أو يركب ناقته، ليدل على نفسه، ويعلم أنه المتكلم دون غيره، وكذلك كان يفعل الخطيب5. وقد استدل بعض المستشرقين من هذا الوصف على أن الشعراء إنما أخذوا تقليدهم هذا من السحرة: الشعراء الأوائل ومن الكهنة، لأن السحرة والكهنة كانوا ينظمون الشعر وينشدونه على هيئة خاصة، يلبسون فيها أَرْدِيَة خاصة ويقفون في وضع خاص حين إنشاد الشعر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015