يلحن في الإعراب1. فربطوا هنا بين الإعراب واللحن. وذكروا أيضًا "أن الإعراب الذي هو النحو، إنما هو الإبانة عن المعاني والألفاظ"2، "وإنما سمي الإعراب إعرابًا، لتبيينه وإيضاحه"3، "وعرَّب منطقه أي: هذَّبه من اللحن"4. وروي عن أبي هريرة قوله: "أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه"، والمراد بالغريب أن تكون اللفظة حسنة مستغربة في التأويل، لا يتساوى في العلم بها أهلها وسائر الناس. وقد عدُّوا من ذلك في القرآن كله سبعمائة لفظة أو تزيد قليلا 5.
ورد في تأريخ "الطبري" أن رجلا من العباديين مَرَّ بجمع من المسلمين أصابوا جرابًا من "كافور" فحسبوه ملحًا، فأخذوا يلقون منه طعامهم، فقال لهم: "يا معشر المعربين، لا تفسدوا طعامكم، فإن ملح هذه الأرض لا خير فيه"6 فاستعمل المعربين في معنى العرب، ولعل العبادين، وهم نصارى الحيرة كانوا يطلقون على العرب الخلص معربين، لوضوح لسانهم بالنسبة لغيرهم ممن كان لا يعرب على طريقة العرب الخلص من أهل البوادي.
وقد ذهب "ابن فارس" إلى وجود "الإعراب" عند العرب العاربة، إذ يقول: "وزعم قوم أن العرب العاربة لم تعرف هذه الحروف بأسمائها، وأنهم لم يعرفوا نحوًا ولا إعرابًا ولا نصبًا ولا همزًا"7. وقد رد على من أنكر وجود الإعراب عن العرب قبل الإسلام8، وأورد حديثًا في ذلك، إذ قال: "وقد روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: أعربوا القرآن"9. وقد ورد أن عمر بن الخطاب، وجَّه كتابًا إلى أبي موسى الأشعري، عامله على البصرة فيه: "أما بعد، فتفقهوا في السُّنَّة، وتفقهوا في العربية،