وذكر بعض أهل الأخبار: أنه قيل لقُس بن ساعدة: ما أفضل المعرفة: قال: معرفة الرجل نفسه، قيل له: فما أفضل العلم؟ قال: وقوف المرء عند علمه. قيل له: فما أفضلُ المروءة؟ قال: استبقاء الرجل ماء وجه1.
وقد وردت في الخطة المنسوبة إلى قس بن ساعدة الإيادي هذه الجملة: "إن في السماء لخبرا". ويلاحظ أن العبرانيين كانوا يراقبون السماء لأخذ الأخبار عما سيقع لهم من أحداث منها. وقد تخصص بذلك نفر منهم، عرفوا بـ "خبرى شمايم"، أي: المخبرون عما يقع في السماء؛ و"قيرى شمايم"، أي: قراءة السماء2. وكان العرب يراقبون السماء كذلك، استطلاعًا للأخبار، وفي الجملة المنسوبة إلى "قس" تعبير عن ارتقابه وقوع أمرهم.
و"قس" من المعمرين، زعم بعض أهل الأخبار أنه عمر سبعمائة سنة، وزعم بعض آخر أنه عاش ثلاثمائة وثمانين سنة، "وقال المرزباني: ذكر كثير وجعله بعضهم في الصحابة، وأماته بعضهم قبل البعثة. وقال قوم: إنه أول من آمن بالبعث من أصل الجاهلية3. وفي الذي يرويه أهل الأخبار عن خطبة قس ورواية النبي لها تصادم في الروايات. وقد ذكر ذلك العلماء4، وإني أرى أن القصة موضوعة، وهي من هذا النوع الذي وضع للتبشير بقرب ظهور دين جديد.
وقد أشير إلى قس في أبيات نسبت إلى الحطيئة والأعشى ولبيد. وقد ضرب الحطيئة به المثل في البيان، وبقوة تأثيره في نفوس السامعين. أما الأعشى فقد وصفه بالحلم، وأما لبيد فقد قال فيه:
وأخلفن قسًا ليتني ولعلني ... وأعيا على لقمان حكم التدبر