ويفهم من روايات أهل الأخبار ومن كتب الحديث والموارد الأخرى، أن الكهانة كانت شائعة في الناس، فكانوا يقصدونهم في كل شيء لاستشارتهم وللأخذ برأيهم وللفصل في الخصومات والمنازعات. وقد منعها الإسلام، حتى ورد في كتب الحديث: إن من أتى كاهنًا أو عرافًا فقد كفر1.
ونجد في بطون الكتب أمثلة من سجع الكهان. وهو يستحق الدرس والبحث، لتحليل عناصره، وبيان صدقه من كذبه، وصحيحه من فاسده. وفي بعضه مثل ما نسب إلى "زبراء الكاهنة"، محاكاة لأسلوب السور القصيرة من القرآن الكريم2. وهو مرحلة مهمة من مراحل تطور أسلوب الكلام عند العرب، وهو حري إذن بالدراسة وبالبحث.
وقد أشير إلى قول الكهان في القرآن الكريم في آية: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ} 3 و {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ، وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} 4. فقد زعموا أنه كاهن، وزعموا أنه مجنون5، فوبخوا لزعمهم هذا، وقيل لهم: إن "محمدًا ليس بكاهن؛ فتقولوا: هو من سجع الكهان"6. "وكانت قريش يدعون أنهم أهل النهى والأحلام"7، "فقال الله: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا} أن يعبدوا أصنامًا بكمًا صمًّا، ويتركوا عبادة الله، فلم تنفعهم أحلامهم حين كانت لدنياهم"8، فانزعجوا منه وقالوا عنه: إنه كاهن، وإنه شاعر، وإنه مجنون. وفي اتهامهم الرسول بأنه كاهن، وبأن القرآن "هو من سجع الكهان"9، دلالة على وجود السجع عند الجاهليين، وأنه كان من نمط الكلام الذي اختصوا به. لا مجال إذن للشك في وجود السجع عندهم، وإن كنا نشك في صحة نصوص السجع المنسوب إليهم.