أصول نظمهم في لغاتهم الدارجة هذه للاهتداء بها على أصول النظم عندهم قبل الإسلام، وعلى المؤثرات التي أثرت على نظمهم وما يمتاز به عن أصول النظم عند بقية العرب في الوقت الحاضر أيضًا.
ولما كنا لا نملك نصوصًا جاهلية بعربية "ال" غير ما ذكرته من النصوص النبطية المشوبة بعربية "ال". ولما كانت هذه العربية ذات لهجات ولغات، عرفت أسماؤها وضبطت في الإسلام، وبينها فروق ومميزات، كما بينت ذلك في الملاحظات البسيطة السطحية التي جمعها عنها علماء العربية، ولما كنا لا نملك عن هذه اللهجات غير تلك الملاحظات التي أوجزتها في فصل: لغات العرب، فإن من اللازم ضم دراسة ما سيقوم به علماؤنا في المستقبل عن اللهجات الحالية في مختلف أنحاء جزيرة العرب إلى دراسة العلماء المتقدمين، لتكمل إحداهما الأخرى، وستتولد منهما ولا شك دراسة علمية قيمة، تفيدنا في الاهتداء إلى معرفة خصائص اللغات العربية قبل الإسلام.
لقد توصلت من دراسة ملاحظات أولئك العلماء، إلى أن هذه اللهجات لم تكن تختلف في كيفية النطق بالحروف، وفي القواعد الصرفية فقط، لكنها كانت تختلف فيما بينها في القواعد النحوية أيضًا، مثل حذف الياء من الفعل المعتل بها إذا أُكد بنون في لغة طيء وفزارة1، ومثل "ذو" الطائية التي يلازم إعرابها بالواو في كل موضع2، ومثل إعراب المثنى بالألف مطلقًا، رفعًا ونصبًا وجرًّا، في لغة بلحرث، وخثعم، وكنانة3، ومثل "هَلُمَّ" في لغة أهل الحجاز التي تلزم حالة واحدة على اختلاف ما تسند إليه مفردًا أو مثنى أو جمعًا، مذكرًا أو مؤنثًا، وتلزم في كل ذلك الفتح، بينما تتغير بحسب الإسناد في لغة نجد من بني تميم4، إلى غير ذلك من أمور تحدثت عنها في فصل: لغات العرب، وهي لو جمعت في مكان واحد ودرست بعناية ودقة، دلت على أن الفروق بين هذه اللهجات في القواعد هي أعمق بكثير مما يظن.