ويظهر من استعمال كتابة "زبد" التي يعود عهدها إلى سنة "512" للميلاد، لجملة "بسم الإلَه"، أن صاحبها وأن كتب بالنبطية، غير أنه كان من النبط المستعملين لـ"ال" أداة للتعريف. وأما الكتابة المعروفة بكتابة "حران"، فإنها أقرب هذه النصوص إلى العربية القرآنية. كما يتبين ذلك من نصها العربي، وهو: أنا شرحيل بر ظلمو، بنيت ذا المرطول سنت 463، بعد مفسد خيبر بعم.
أي: "أنا شرحيل" "شراحيل" بن ظالم، بنيت هذا المرطول سنة 463، بعد خراب "غزو" خيبر بعام. ويقابل تأريخ هذا النص سنة "568" للميلاد1.
وعربية هذا النص، عربية واضحة، ليس فيها ما يحاسب عليه بالقياس إلى عربيتنا، إلا جملة "بر ظلموا" المكتوبة على وفق القواعد النبطية. ويلاحظ أنها استعملت "ال" أداة للتعريف، ولاحظت قواعد النحو في جملة: "بنيت ذا المرطول" المستعملة في عربيتنا، مما يدل على أن صاحبها كان يراعي الإعراب في لسانه. وأنه من قوم كانوا يراعون قواعد الإعراب في كلامهم.
إذن فنحن أمام قوم عرب، نبط، لسانهم العربي من مجموعة "ال"، أي: من العربية المستخدمة لـ"ال" أداة للتعريف، منازلهم أطراف بلاد الشأم، وشواطئ الفرات العربية. وإذا تذكرنا أن السريان كانوا على الحيرة "حبرتا دي طياية"، وأنهم كانوا يطلقون لفظة "طياية" في مرادف "عرب"، عرفنا إذن، أن أهلها كانوا من العرب2، ولما كان نص "النمارة" قد كتب بنبطية متأثرة بعربية "ال"، نستطيع أن نقول: إن عرب الحيرة كانوا من المتكلمين بهذه العربية.
يتبين لنا مما تقدم، أن العرب الذين كانوا يقطنون الحيرة والأنبار، أو عرب العراق بتعبير أصح، ثم عرب بلاد الشام، وعرب البوادي، وجزيرة العرب باستثناء المواضع التي أمدتنا بالكتابات، كانوا يتكلمون بعربية "ال" أي: العربية التي نزل بها القرآن الكريم، ودوّن بها الشعر الجاهلي. وهي عربية أساسية، جمعت شمل لغات ولهجات، على نحو ما وجدنا في العربية الجنوبية من اشتمالها على جملة لهجات، وما وجدناه في اللهجة العربية الشمالية الغربية، المستعملة لـ"هـ" "ها" أداة للتعريف.