قصاد هذا المكان من حيث المجيء للبيع والشراء والإتجار. لم تكن الحكومة لهم بعكاظ، وإنما كانت لتميم، وتميم من أشهر الناس في فنون الخطابة والكلام.
ودليل ذلك، ما يورده أهل الأخبار عن خطبائهم وحكمائهم من كلام، وما ينسبونه إليهم من حكم وخطب بليغة، ثم إن هذه السوق لم تظهر إلا في أيام الرسول وقبل خمس عشرة سنة من الإسلام. وقيل: إنها اتخذت سوقًا بعد الفيل بخمس عشرة سنة، وتركت عام خرجت الحرورية بمكة مع "المختار بن عوف" سنة تسع وعشرين ومائة1. وقد ذكر أهل الأخبار أن "عكاظ" سوق "كانت تجتمع فيها قبائل العرب فيتعاكظون، أي: يتفاخرون ويتناشدون ما أحدثوا من الشعر ثم يتفرقون"، وأنهم كانوا "يقيمون شهرًا يتبايعون ويتفاخرون ويتناشدون شعرًا، فلما جاء الإسلام هدم ذلك"2، وذكروا أن الشاعر النابغة الذبياني كان يأتيها فينشد الناس من شعره، "وكان النابغة تضرب له قبة حمراء من أدم بسوق عكاظ، وتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها، فأنشده الأعشى أبو بصير، ثم أنشده حسان بن ثابت، ثم الشعراء، ثم جاءت الخنساء السلمية3 فأنشدته"4، وذكروا أن في شعر "أمية بن خلف" الخزاعي، إشارة إلى مكانة هذه السوق عند الشعراء، حيث يقول:
ألا من مبلغ حسان عني ... مغلغلة تدب إلى عكاظ
فأجابه "حسان" في أبيات تشير أيضًا إلى هذه الأهمية، وذلك بقوله:
أتاني عن أميّة زور قول ... وما هو في المغيب بذي حفاظ
سأنشر إن بقيت لكم كلامًا ... ينشر في المجنة مع عكاظ
قوافي كالسلاح إذا استمرت ... من الصم المعجرفة الغلاظ4
فلم يشر حسان إلى أثر قريش في هذه السوق، ولم يشر أمية إلى قريش كذلك، والذي يفهم من الشعرين أن ذكر عكاظ فيهما، هو بسبب تجمع الناس في هذه