فعدم النص على ذلك اللسان، هو أبلغ جواب على أنه لم ينزل به، وعلى أن لسانهم المذكور لم يكن أكمل لسان عربي.
وأما العوامل التي أوجدها المحدثون في تفسير سبب سيادة لغة قريش على غيرها من اللغات عند ظهور الإسلام، وهي: السيادة السياسية، والسيادة الاقتصادية والسيادة الدينية، وهي عوامل تتصل بها عادة سيادة اللغات1، فهي عوامل وضعوها وضعًا وتخيلوها من غير سند أو دليل، أقاموها على تصورات أخذوها من أقوال لأهل الأخبار، لا يركن إليها، ولا يعتمد عليها. وقد حاولت جهدي أن أعثر في مؤلفات القائلين بها على سند واحد يثبت سيادة قريش السياسية على غيرها من القبائل عند ظهور الإسلام، سيادة قوة وفتح، أو سيادة نفوذ واعتبار فلم أجد فيها دليلًا واحدًا يمكن أن يكون حجة لإثبات تلك السيادة. وكل ما وجدته فيها أحكام عامة مطلقة لم تقم على حجة ولا دليل2. ثم راجعت الموارد القديمة علني أجد فيها شيئًا، يثبت هذا التفوق، فلم أجد فيها أي شيء أيضًا يدل عليه، بل وجدت العكس، وجدت أن سادات مكة مثل عبد المطلب وغيره كانوا يراجعون حكام اليمن ويتقربون إليهم، لينالوا منهم العطف والرعاية، والهبات والألطاف، وكانوا إذا سمعوا بتبوء ملك منهم كرسي الحكم، ركضوا إليه يهنئونه، داعين له بالعمر الطويل، وبالتوفيق في الحكم، ثم وجدت فيها أن سادتها كانوا يراجعون حكام العراق وبلاد الشأم واليمن والحبشة، ويتوددون إليهم بالهدايا، لكسب عطفهم، ولحصول على مساعدات منهم، لتيسير سبل الاتجار مع الأرضين التي كانوا يحكمونها، وأنهم كانوا يصانعون سادات القبائل ويؤالفونهم، لضمان حق مرور تجارتهم بأرضهم بأمن وسلام، في مقابل إتاوات تدفع لهم، أو هدايا تحمل إليهم، ثم رأيت ما كان من أمر "هاشم" وأخوته من عقدهم الإيلاف الذي أشير إليه في القرآن3. ثم وجدت أن أهل الأخبار يقولون: إن "قيصر" أعان قصيًّا على خزاعة4، وأن "عثمان بن الحويرث"