ولما كانت قراءة عبد الله بن مسعود من القراءات المشهورة المعروفة، وكان عبد الله بن مسعود من قبيلة هُذيل1، وجب علينا البحث في لهجة هذيل لمعرفة خصائصها ومميزاتها وما انفردت به عن غيرها من اللهجات. وهذيل من القبائل التي عرفت بجودة لهجتها، في تدوين القرآن الكريم2. ولذلك رأى الخليفة عثمان أن يكون المملي من هذيل والكات من ثقيف. وقد ذكرت لهجتها في جملة اللهجات التي نص عليها في الحديث المذكور على نحو ما أشرت إليه، كما أخرجت عددًا من الشعراء جمع بعض العلماء أشعارهم في ديوان، وقد طبع في القاهرة ديوان شعراء هذيل3. ويفيدنا شعر هؤلاء الشعراء بالطبع في الوقوف على لهجة هذه القبيلة. ولكن هذا الشعر هو مثل شعر سائر الشعراء الجاهليين الآخرين، مصقول مهذب، هذّب على وفْق قواعد اللغة العربية التي ضبطت في الإسلام، ثم هو مضبوط برواية رواة هم في الأغلب من غير هذيل. ولهذا قلما نجد في شعر هؤلاء الشعراء وغيرهم ما يختلف عن قواعد اللهجة العربية، حتى أننا لا نستطيع في هذه الحالة أن ندعي أن هذا الشعر هو بلهجة هذيل. وقد حرمنا العقلُ الوقوفَ على لهجات القبائل التي أخرجت أولئك الشعراء ومعرفة مؤثراتها في شعر أولئك الشعراء.
ومن أهم الأمثلة التي أوردها العلماء في قراءة "ابن عباس" مما له علاقة باللهجات، قراءته كلمة "حتى" "عتى" في الآية: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} 4. وقد ذكر المفسرون وعلماء اللغة أن هذه القراءة هي بلهجة هذيل5، وأن "عتى" هي "حتى" عند هذه القبيلة؛ ذلك لأن هذه القبيلة تستعمل حرف العين بدلًا من الحاء في لهجتها6. ولم يشر