من الناسئين يقوم، فيقول: إني لا أحاب ولا أعاب، ولا يرد ما قضيت به، وإني قد أحللت دماء المحللين من طيء وخثعم، فاقتلوهم حيث وجدتموهم إذا عرضوا لكم"1.
ويذكر أهل الأخبار أن أولئك الناسئين كانوا نابهين في قومهم، لهم مركز عظيم وشأن. فكان "القلمس"، مثلًا ملكًا في قومه، وهو من بني كنانة2، وكان عالم قومه وفقيههم في الدين، وكان الذي يلي النسيء يظفر بالرياسة لتريس العرب إياه3. ويظهر أنهم كانوا أصحاب علم ونظر ومكانة محترمة، في أمور الدين، في قومهم وفي القبائل التي تحج إلى مكة.
وكلمة "قَلَمّس" على ما يتبين من روايات الأخباريين، لم تكن اسم علم، وإنما هي لفظة يراد بها عند الجاهليين ما يراد من معنى الفقيه والمفتي في الإسلام4.
وقد ذكر علماء اللغة أن من معاني القلمس: السيد العظيم، والرجل الخيّر المعطاء والمفكر البعيد الغور، والداهية من الرجال، ونحو ذلك من معان تشير إلى صفات عالية في الرجل الذي أطلقت عليه، وقد تكون بمعنى العالم العارف، وقد أطلقت بصورة خاصة على هذه الجماعة، لسعة علمها بهذا الموضوع وغيره، ولوقوفها على التوقيت وعلى الفلك في تلك الأيام5. وقد تكون لفظة من جملة الألفاظ المعربة التي دخلت العربية قبل الإسلام.
وطريقة الناسئ في إعلانه النسيء على الناس في الحج، أن يقوم رجل من كنانة فيقول: أنا الذي لا يردّ لي قضاء، فيقولون: أنسئنا شهرًا، أي: أخر عنا حرمة المحرم واجعلها في صفر فيحل لهم المحرم"6. وهذا الرجل هو الناسئ، أو أن يدعو الناسئ الناس في آخر موسم الحج إلى الاجتماع حوله، فإذا اجتمعوا ارتقى موضعًا مرتفعًا ظاهرًا، أو قام على ظهر جمله ليراه الناس ثم يقول بأعلى