وقد ذهب "شبرنكر" -وهو من الزاعمين أن الرسول كان يكتب ويقرأ- إلى أن النبي قرأ كتابًا في العقائد والأديان وأخبار الماضين، وقد زعم أن اسم هذا الكتاب هو: "أساطير الأولين"1. وقد أخذ رأيه هذا من الآية: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} 2. وهذه السورة هي من السور المكية. فهي تشير إلى زعم قريش في أن القرآن، هو شيء اكتتبه الرسول، وقد أملي عليه من الأساطير. وقد سبق أن قالوا: إنه يتعلمه من أناس عاونوه وساعدوه عليه. قالوا: إن هذا القرآن "إفك افتراه محمد -صلى الله عليه وسلم- هذا الذي جاءنا به محمد أساطير الأولين, يعني أحاديثهم التي كانوا يسطرونها في كتبهم، اكتتبها محمد -صلى الله عليه وسلم- من يهود، فهي تُملى عليه. يعنون بقوله: فهي تُملى عليه، فهذه الأساطير تقرأ عليه، من قولهم أمليت عليك الكتاب وأمليت، بكرة وأصيلًا. يقول وتملى عليه غدوة وعشيًّا"، "وأعانه عليه قوم آخرون. يقول: وأعان محمدًا على هذا الإفك الذي افتراه يهود"3. وقد رد على هذا الرأي "نولدكه" في كتابه: "تأريخ القرآن"، وعدّه قولًا لا أهمية له4.
وقد ذكر علماء اللغة أن الأساطير هي الأباطيل والأكاذيب والأحاديث لا نظام لها، وهي جمع "أسطار" و"أسطير" و"أسطور"5. واللفظة من الألفاظ المعربة. وهي Istoriya "استوريا" في اليونانية، وHistoria في اللاتينية، وقد أطلقت عندهم على كتب الأساطير والتأريخ. ويظهر أن الجاهليين قد أخذوها من الروم قبل الإسلام، واستعملوها بالشكل المذكور وبالمعنى نفسه، أي: في معنى تأريخ وقصص.
ولا أستبعد وجود الكتب التأريخية باليونانية وباللاتينية في مكة، فقد كان في مكة وفي غير مكة رقيق من الروم، كانوا يتكلمون بلغتهم فيما بينهم وينطقون