وذكر علماء اللغة أن "الشهر" وجمعها "شهور" بمعنى العالم، واسشهدوا على هذا المعنى ببيت شعر ينسب إلى أبي طالب، هو:
فإني والضوابح كل يوم ... وما يتلو السفاسرة الشهود1
قال الصاغاني: هكذا أنشده الأزهري لأبي طالب، ولم أجده في شعره2. ولكن الرواة يروونه على هذا النحو:
فإني والسوابح كل يوم ... وما تتلو السفاسرة الشهود3
والسفاسرة أصحاب الأسفار، وهي الكتب، والشهود أنسب في تفسير الشعر من الشهور؛ لأننا لا نعلم أن أحدًا قال إن الشهر: العالم، وأرى أن تصحيفًا قد وقع في البيت حول حرف "الدال" "راء"، ففسرت لفظة الشهور بالعلماء، لعدم تصادم هذا التفسير مع المعنى، وفي العربية مئات الأمثلة على مثل هذا التصحيف.
وترد لفظة "الفقه" بمعنى العلم بالشيء والفهم له. ويظهر أن الجاهليين كانوا يستعملون لفظة "فقه" ومشتقاتها في معان لها صلة بالعلم. ودليل ذلك ما ورد في القرآن الكريم من قوله {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} 4، ومن ورود "تفقهون"، و"تفقه"، و"يفقهوا"، و"يفقهون"، و"يفقهوه" في مواضع منه. وورد في كتب اللغة والأدب والأخبار: "فقيه العرب: عالم العرب"، و"فقهاء من العرب"5. وورد في الحديث: "أبغضكم إلي الثرثارون المتفيهقون" 6، أي: الثرثارون المدّعون العلم والفقه.
ويفهم أيضًا من روايات أهل الأخبار، أنه قد كان للجاهليين أئمة وفقهاء يقضون بينهم، ويفتون في دينهم، ويحافظون على دينهم. فهم عندهم سدنتهم وأمناؤهم. وقد ذكر "ابن حبيب" أسماء نفر من "تميم" تولوا الموسم والقضاء