احتلال الحبشة للعربية الجنوبية1.
ولا أستبعد أن يكون من بين هذه الأعمدة التي نحت الصليب فوقها, أعمدة جاهلية أُخذت من المعابد الوثنية, ثم حفر الصليب عليها, لتتناسب مع الطقوس النصرانية. أو أنها كانت معابد وثنية قديمة, فلما استولى الحبش على اليمن, أو عند اعتناق أهل تلك المواضع للنصرانية حولّوا تلك المعابد إلى كنائس وأحدثوا فيها بعض التكييف والتغيير لتكون في وضع يناسب الكنيسة, فكان في جملة ما أدخلوه عليها حفر الصلبان على أعمدة تلك المعابد.
وتظهر الأعمدة المكونة من ستة عشر ضلعًا, وكأنها أسطوانة, أي: عمودًا ذا شكل دائري؛ لأن الأضلاع صارت ضيقة متقاربة أعطت العمود شكل أسطوانة. وقد عثر على نماذج من هذه الأعمدة في مدينة "تلقم" وفي معبد "صرواح" بأرحب, وفي "صرواح" "الخريبة" وفي "الفراس", وفي جامع المتوكلية بصنعاء2.
ويرى بعض الباحثين أن الأسطوانات, أي: الأعمدة المدوّرة ذات الشكل الأسطواني التام, قد ظهرت بعد الأعمدة المذكورة, وأنها ترجع إلى الأزمنة المتأخرة لذلك من تأريخ اليمن3.
ومن العربية الجنوبية انتقلت هذه الأعمدة إلى بلاد الحبشة, حيث نجدها في معابد الحبشة القديمة. وقد أخذ أهل تلك البلاد هذا النوع من الأعمدة في جملة ما أخذوه من حضارة أهل العربية الجنوبية4. وقد رأينا أن أهل سبأ كانوا قد أقاموا حكومة لهم في إفريقية, وقد ترك أهل العربية الجنوبية, ولا سيما أهل سبأ منهم, آثارًا في اليمن في مختلف النواحي, ما تزال ظاهرة للعيان.
وقد استعملت الأعمدة المصنوعة من الخشب لحمل السقوف ولا سيما في البيوت.