أو خلط لبن بلبن آخر ذكر أسماءها علماء اللغة1, لا أرى حاجة إلى ذكرها؛ لعدم وجود أهمية لها وعلاقة كبيرة بهذا الموضوع.
وقد استورد الحضر بعض مآكلهم من الخارج؛ لاستساغتهم واستحسانهم، فقد قيل: إن عبد الله بن جدعان سيد قريش كان قد زار العراق، ودخل قصر كسرى وأكل عنده, وكان في جملة ما أكل "الفالوذج"، فتعجب منه، وسأل عنه، فوصف له. ويقال: إنه ابتاع غلامًا يصنعه، وأخذه معه إلى مكة، وصار يأكله وأمر بوضع موائده بالأبطح إلى باب البيت؛ ليأكله الناس. وكان ممن أكله أمية بن أبي الصلت، فقال فيه شعرًا ومدح صاحبه لجوده وكرمه2:
إلى ردح من الشِّيزى عليها ... لبُاب البُرِّ يُلبكُ بالشِّهاد
والردح: الجفنة العظيمة، والشيزى: خشب أسود تتخذ منه القصاع، واللباب: الخالص، والشهاد: العسل3. وقد نسب "البرقوقي" ذلك البيت إلى "ابن الزبعرى" عبد الله, وهو من الشعراء الذين عرفوا بهجائهم للرسول وبدفاعهم عن المشركين4.
وكان عبد الله بن جُدعان من أغنى أغنياء قريش، جمع مالًا عظيمًا، ولكنه كان على خلاف عادة التجار الأغنياء كريمًا جوادًا متأنقًا ينفق على طعامه وشرابه. كسا بيته بأحسن ما كان في ذلك العهد، كانت أواني شربه من ذهب، وفيه ورد في المثل: أقرى من حاسي الذهب5.
ويقال: إن ابن جدعان هذا كان في ابتداء أمره صعلوكًا تَربَ اليدين، شريرًا فاقطًا، لا يزال يجني الجنايات فيعقل عنه أبوه وقومه، حتى أبغضته عشيرته، ونفاه أبوه، وحلف لا يُئويه أبدًا، فخرج في شعاب مكة تائهًا حائرًا، فرأى شقًّا في جبل، فدخل فيه ليستريح، وإذا به يعثر على مقبرة فيها جثث عليها