وقد ذكر هذه الأشياء؛ لأنها كانت هي الشائعة المعروفة عند أهل مكة ويثرب في ذلك العهد على ما يظهر، لأن هناك خمورًا عملت من غير هذه الأشياء.

وكان لأهل اليمن شراب عرف عندهم بـ"البتع"، وهو من العسل ينبذ حتى يشتد، وذكر أنهم كانوا يطبخون العسل حتى يعقد، فيكون البتع, وشراب عرف بـ"المزر"، وهو من الذرة1. وخطب "أبو موسى الأشعري"، فقال: "خمر المدينة من البسر والتمر، وخمر أهل فارس من العنب، وخمر أهل اليمن البتع وهو من العسل، وخمر الحبش السكركة"2. وقد ذكر "ابن عمر" الأنبذة، فقال: "البتع نبيذ العسل, والجعة نبيذ الشعير، والمزر من الذرة، والسكر من التمر، والخمر من العنب"3, وذكر أن المزر نبيذ الذرة والشعير والحنطة والحبوب، وقيل: نبيذ الذرة خاصة4. ويظهر أن إطلاق المزر على أنبذة الحبوب، هو من باب التجوز والتعميم، وأن الأصل هو نبيذ الذرة.

و"الضريّ": الماء من البسر الأحمر والأصفر يصبونه على النبق, فيتخذون منه نبيذًا5.

وقد اشتهرت "دُرْنى" بخمورها المصنوعة من الكروم، وقد ذكرها "الأعشى" في شعره, وكان الأعشى يزورها. وذكر أنها هي "أثافت" التي ذكرها "الأعشى" أيضًا في شعره، فقال:

أحب أثافِتَ وقت القطاف ... ووقت عصارة أعنابها

وكان كثيرًا ما يزورها، وله بها معصر للخمر يعصر فيه ما أجزل له أهل أثافت من أعنابهم6. وورد أنها من قرى اليمامة، كما ذكرت ذلك في موضع آخر من هذا الكتاب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015