جاهلية قديمة، كانت مسلوكة قبل الإسلام. وهي طرق طبيعية كانت مسلوكة لوجود الماء فيها في مواضع متقاربة، وقد أُقيمت عندها مستوطنات، وبقيت على حالها لم تذهب فائدتها، ولم تتغير مواضع الاستيطان فيها؛ لذلك صارت السبل التي تسلك بين أجزاء جزيرة العرب إلى هذا اليوم.
ومما يؤسف له كثيرًا، هو أن الموارد الإسلامية التي تحدثت عن غزوات الرسول وسراياه وعن الوفود التي قصدته من مختلف أنحاء جزيرة العرب، والعمال والرسل الذين أرسلهم الرسول إلى سادات القبائل أو لجمع الصدقات، ثم عن حروب الردة وعن عمال الخلفاء على أقاليم جزيرة العرب -سكتت عن ذكر الطرق التي سلكت والمنازل التي نزلت، ولم تفصل في ذكر المنازل والمراحل؛ فأضاعت علينا بذلك معرفة الطرق الجاهلية التي كان يسلكها الجاهليون في تجاراتهم وفي أسفارهم. ثم إن الذين بحثوا في الإسلام عن المسالك والطرق, وذكروا المنازل مع أبعادها بالأميال, أو بالفراسخ، أو بالمراحل -لم يهتموا بالإشارة إلى ذكر تواريخ هذه الطرق أو المنازل وإلى أصلها؛ هل هي جاهلية, أم هي إسلامية، أم معدلة، ولمثل هذه الملاحظات التي أهملوها أهمية كبيرة بالنسبة للبحث بالطبع.
وسأبدأ بالطرق التي سلكها أهل الجاهلية فيما بين العراق وبلاد الشام, وقد كان منهم من يحاذي الفرات؛ حتى لا يبتعد عن الماء والغذاء وأهل الحضر, ثم يسلك الطرق الشمالية التي مهدها الروم؛ لدخول بلاد الشام، وهي في أيدي الروم في الغالب, غير أن الفرس استولوا عليها في بعض الأحايين. ونظرا إلى ما لهذه الطرق من الأهمية من الناحية الاقتصادية والعسكرية، فقد تشدد الروم في مراقبة القوافل التي تقصد بلاد الشام، أو تخرج منها للذهاب إلى العراق، وتصعبوا في السماح لها وللتجار بالمرور.
ومن التجار من كان يخرج من الحيرة إلى بلاد الشام، فيسلك طريق "القطقطانة". وهو موضع سبق أن تحدثت عنه في أثناء كلامي على نهاية الملك "النعمان بن المنذر"، إذ جاء في رواية أن "كسرى" أمر به فسجن به. وهو موضع غير بعيد عن الكوفة من جهة البرية بالطف1, ثم يسلك الطريق إلى "البقعة"،