وللسيطرة على المياه، ولا سيما مياه الأمطار، عمد العرب الجنوبيون إلى الوسائل الصناعية الفنية في التحكم فيها، فأنشأوا المجاري الصناعية لترجي فيها المياه وتسيل فلا تذهب عبثًا ولا تجري في القنوات إلا بقدر. ومن هذه المجاري ما يقال له "ماخذ" و"ماخذت" في لغة المسند. أي "مأخذ" و"مأخذة". ويراد بالمأخذ المجرى المحفور المعمق لمرور المياه إلى الحقول والبساتين أو المعابد1.
ويقال للقناة أي الممر الذي تمر منه المياه "عبرن" في اللهجات العربية الجنوبية، أي المعبر. ذلك؛ لأن المياه تعبرها وتجري فيها وتسيل منها إلى الأماكن التي كان يقصد وصولها إليها2. وترد بكثرة في النصوص المتعلقة بتنظيم الإرواء وفي النصوص المتعلقة بشؤون الزراعة. وأما لفظة "امررن" فتعني "المرور"، والإمرار و"الممرات"، وقد وردت في النصوص الزراعية بمعنى الممرات المائية التي تجري فيها المياه، فهي بمعنى سواقٍ لإسقاء الأرض3. وأما الممر الواحد أو الوادي، فيقال له "سرن"4.
وترد كثيرًا في النصوص المتعلقة بشؤون الإرواء لفظة "حرت". وورودها فيها يدل على وجود علاقة لها بالإسقاء والإرواء. ويظهر أن لهذه اللفظة صلة بلفظة "خر" العربية التي تعني ما خده السيل من الأرض، والشق، فيقال خر الماء الأرض خرًّا إذا شقها، والهوى من علو إلى أسفل. وإذا تدهدى الشيء من علو5. وهي بهذا المعنى وبمعنى ثقب وفتحة في لغة بني إرم وفي العبرانية المتأخرة، وتؤدي لفظة "خرو" Harru معنى قناة في الأشورية. وهذا يدل على أن للفظة "حرت" معنى قناة أو فتحة تفتح في السد، أو في مجرى ماء، لإسالة الماء من الفتحة إلى القناة أو المجرى المخصص بجري الماء6.
وقد عثر السياح الذين زاروا اليمن ودرسوا آثار السدود على "حرات"