والرعاة على صنفين: رعاة الإبل، وهم الممعنون في البوادي، والذين يبيتون مع الإبل في المرعى لا يأوون إلى بيوتهم، ولا يرعون غيرها، وهم: الجشر" أو هم الذين يرعون الإبل، ويقيمون معها في المرعى، ولا يرعون معها غيرها من بقية الحيوانات1. وهم جل الأعراب، بل كلهم؛ لأن حياة الأعرابي هي حياة رعي إبل، يرعاها عند بيته أو على مبعدة منه. بات مع الإبل بعيدًا عن بيته أو أهله أيامًا أو موسم الربيع، أو أقام عند خيمته مع إبله، فهو راعي إبل في الحالتين.
وراعي الإبل، هو الأعرابي الأصيل، ابن البادية جواب بيداء، لا يأكل البقل والخضر، هو كما قال الراجز:
جواب بيداء بها غروف ... لا يأكل البقل ولا يريف
ولا يرى في بيته القليف2
ويقال للأعرابي الذي ينشأ في البدو والفلوات لم يزايلها: المقحم3.
ويكون هؤلاء الرعاة الأعراب من أبعد الرعاة عن "المصانع"، أي القرى والحضر، ومن أهلها، لا يذهبون إليها ولا يتصلون بها4. فهم يعيشون في عالم خاص بهم بعيد عن القيود والتكاليف، والتنويع في المأكل والمشرب.
ورعاة يرعون إبلًا ويرعون غيرها معها من بقر وخيل وغنم. وهم لعدم استطاعة البقر والغنم من التوغل في البادية والتعمق في طياتها، لا يستطيعون الابتعاد عن الماء كثيرًا، لعدم استطاعة تلك الحيوانات الصبر على العطش كثيرًا ولهذا فهم على اتصال بالحضر وبالحضارة، وهم مرحلة وسطى بين الحضارة وبين