فالرجل المذكور أن صحت رواية "الدينوري" عنه، فقيه من الفقهاء وحاكم كان بين الناس. ومعنى هذا وجود الفقه عند الجاهليين بالمعنى المفهوم من الكلمة في الإسلام.

وأكثر من ذكرت، هم ممن أدركوا الإسلام، وسمعوا بخبر الرسول. وقد زعم أن بعضهم عُمّر عدة مئات من السنين. ويظهر أن ذاكرة أهل الأخبار لم تعِ من أخبار الحكام الذين عاشوا قبل الإسلام بزمن طويل، فاقتصر علمها على هؤلاء وأمثالهم ممن عاش في الفترة الملاصقة للإسلام.

وقد نسب أهل الأخبار إلى الحكام المذكورين علم بأنساب الناس وأحسابهم، كما نسبوا لهم الفصاحة والبلاغة والبيان. وكلها من مستلزمات ومن ضروريات الحاكم في ذلك الوقت. وكان من واجبه العلم بأنساب الناس وأحسابهم؛ لأن المنافرات والمفاخرات، هي من أهم المحاكمات في ذلك الوقت. ولكي يكون حكم الحاكم فيها صحيحًا دقيقًا كان لا بد له من الوقوف على أحوال الناس وعلى مآثرهم ومفاخرهم في ذلك الوقت. وكان عليه أن يكون فصيحًا بليغًا؛ لأن الناس كانوا يقيمون وزنًا للكلام آنذاك، ومن يحسن الاختيار في الكلام، ويحسن صياغة الكلم، يكون ذا أثر فعال في نفوس المستمعين وفي إصدار الأحكام.

ويتبين من دراسة ما ينسب إلى أولئك الحكام من حكام "قريش", أي: "مكة", وكذلك حكام أهل المدن. كانوا حكامًا بالمعنى المفهوم من "الحاكم"، فأحكامهم هي أحكام قانونية، مقتبسة من منطق العدالة والحق. وهي تشريع مدني ينسجم مع التشريع المدني للأمم المختصرة. وسبب ذلك على ما يظهر هو أن البيئة التي عاش فيها هؤلاء الحكام، هي بيئة حضرية، وقد كانوا أنفسهم من الحضر، ولكثير منهم وقوف على أحوال الأمم الأخرى، ولهم علم بالكتب وببعض اللغات الأعجمية وبالديانات وبالآراء، وفي جملتها القوانين، فتأثروا أو تأثر بعضهم بتلك المؤثرات.

وقد روت كتب الأدب والأخبار بعض الأحكام التي حكم بها حكام العرب، فصارت سُنة للناس نهجوا عليها، منها: قطع يد السارق، وقد زعموا أن أول من سنَّ ذلك هو "الوليد بن المغيرة" أو "عبد المطلب"، فقطع رسول الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015