للمقارنة والمقابلة والغربلة، وليس هذا بأمر ميسور؛ لأن الروايات والأخبار محدودة، وهي ترجع بأخرةٍ إلى نفر تستطيع حصرهم. فهذه الأبواب، وإن كانت متعددة منثورة بين مؤلفات، دونها مؤلفون مختلفون، إلا أنها أخذت من ذلك النفر، فهي لم تأت لهذا السبب في ثناياها بشيء جديد.

وفي هذا النفر المذكور، نفر منحاز متحزب، يشايع قومه، ويريد نسبة الغلب والتفوق لهم، والغض جهد إمكانه من خصوم قومه ومن الأطراف التي خاصمت قومه واشتبكت معها في قتال، وهو مكثر بالنسبة لجماعته، مبالغ يسند مبالغاته بكلام منثور ومنظوم، ليثبت صحة قوله. ولهذا وجب الانتباه لهذه الناحية والحذر من تصديق كل رواية وإن نسبت إلى خيرة من نثق بعلمهم من الرواة.

وهذه الأيام ليست حروبًا بالمعنى المفهوم من الحرب، فإن منها ما هو مجرد مناوشات أو مهاترات وغزوات لم يسقط فيها إلا بضعة أشخاص، ومنها أيام وقعت في عدة سنين كانت تثار فيها الحرب حينما تتجدد المناسبات، وتنتهي بتسوية يتفق فيها على دفع ديات القتلى وإنهاء المشكلات التي كانت السبب في إثارة تلك الحرب، فإذا ما انتهت، بقيت القبيلة المنتصرة تفتخر بيومها وبأيامها، وبأسماء أبطالها الذين رفعوا اسمها فيها، وطالما جرَّ التباهي والتفاخر القبائل إلى حرب جديدة، بسبب جواب قد يصدر من سفيه عابث لا يرضيه سماع ذلك الفخر، أو من قبيلة مغلوبة لم يكن من السهل عليها أو على أفرادها سماع هذا الكلام.

والنابه من هذه الأيام، معدود عند بعض العلماء محدود. وقد حصرها "أبو عبيدة" في الأيام الكبيرة العظيمة, التي ساهم فيها عدد كبيرمن الفرسان. وجعلها: يوم الكلاب، ويوم ربيعة، ويوم جبلة, ويوم ذي قار1.

وأكثر أسباب هذه الأيام، هو عسف حكام القبائل القوية في القبائل الضعيفة الخاضعة لهم، بسبب الإتاوة التي كانوا يلحون في جبايتها غير مفكرين في الظروف والأوقات، أو بسبب نزاع على ماء ومرعى، أو أخذ بثأر. أو محاولة للتخلص من حكم القبائل على القبيلة بظهور شخصية قوية فيها، وأمثال هذه من أسباب قد يكون بينها سبب تافه سخيف، يؤدي إلى إزعاج المتخاصمين بسبب النزعات العاطفية التي تتغلب عند القبائل في غالب الأحوال على العقول.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015