الغزاة, وبشراء سلاح لا يتوفر عند الأعراب من سيوف ماضية صلبة حادة، ومن اتخاذ حرس من الرقيق والمرتزقة ليساعدهم في الدفاع عن حاضرهم، أضف إلى ذلك شراء سادات القبائل الضاربين حولهم بالمال وبالهدايا وبالألطاف، لمنع أعرابهم من التحرش بهم، ولمنع الأعراب الغرباء الذين قد يطمعون فيهم من الدنوّ منهم.
أضف إلى ما تقدم من أسباب وقوع الغزو: أثر العلاقات الشخصية بين سادات القبائل، من زواج وطلاق، ومن حسد وتنافس، ومن كلمة نابية قد تثير حربًا بين قلبي شخصين متنافرين، ومن عمل سفيه جاهل يثير غزوًا وحربًا بسبب عصبية قومه له، ودفاع الجانب الآخر عن صاحبهم حمية وغيرة. إلى غير ذلك من عوامل معقولة مفهومة وعوامل تافهة سخيفة تجد لها مع ذلك مكانة في القلوب؛ فتثير غزوًا وتسبب نكبة لأناس مساكين فقراء، لا دخل لهم في كل خصومة، وكل ما لهم أنهم من قوم غضب عليهم قوم آخرون، فزادوا في تعاسة إخوانهم المغزوين، والغازي والمغزو مع ذلك معدم محروم من النعم التي وهبتها الطبيعة لغيرهم من البشر، بأن جعلتهم في أرضين خصبة ذات ماء وخيرات وجو حسن، أما هؤلاء التعساء أبناء البادية، فلم يجدوا أمامهم من رزق متيسر سهل سوى الترزق عن طريق هذا الغزو.
فالغزو إذن هو: حاصل ظروف طبيعية واقتصادية واجتماعية، ألمت بالأعراب وأجبرتهم على ركوب هذا المركب الخشن. كارهين أما مختارين فليس للأعرابي للمحافظة على حياته ولتأمين رزقه غير هذا الغزو. وقد بقي يغزو حتى في الإسلام، مع منع الإسلام له لا يجد فيه مع ذلك غصاضة ولا بأسًا. وهو إن امتنع اليوم منه وطلقه. فإنه لم يتركه عن إرادة واختيار وطيب خاطر، وإنما امتنع منه؛ لأنه يعلم أنه إن قام به, فإن هنالك حكومات أقوى منه، لها أسلحة لا يملكها ولا يستطيع التغلب عليها، وعلى رأسها الطائرات، ستفتك به فتكًا ذريعًا، وتكرهه على الخضوع لأحكامها، وعلى الاستسلام لها، وعلى تجريده مما يملكه ومما يستولي عليه لذلك خنس وسكت عن الغزو.
ومن هذا الغزو، غزو وقع في الجاهلية بين قبائل صغيرة، لذلك لم ينل من أهل الأخبار حظًّا من الذكر والرعاية والعناية، ولم يجد له مكانًا بارزًا في صفحات كتب الأخبار، وغزو كبير خلد الشعر الجاهلي ذكره، فأخذ رواة الشعر يتسقطون