ومع وجود عرف أن القريب أولى بالبنت من البعيد، فإن العرب تراعي في الغالب إنكاح البعداء والأجانب. يرون أن ذلك أنجب للولد وأبهى للخلقة، وأحفظ لقوة النسل؛ لأن إنكاح الأهل والأقارب يضر بالمولود ويسمه بالضعف والهزل، ويزعمون أن تقارب الأنساب مدح في الإبل، لأنه إنما يكون في الكرائم يحمل بعضها على بعض حفظًًا لنوعها، وذم للناس لأنه فيهم سبّب الضعف. وبهذا المعنى ورد الحديث: "اغتربوا ولا تضووا" أي أن تزوج القرائب يوقع الضوى في الولد، والضوى: الضعف والهزال1. وقد أوصى "حصن بن حذيفة بن بدر" قومه أن "ينكحوا الكفء الدريب، فإنه عز حادث"2. وقال "عمر" مخاطبًا آل السائب: "يا بني السائب، إنكم قد أضويتم، فانكحوا في النزائع". أي تزوجوا في البعاد الأنساب، لا في الأقارب، لئلا تضوى أولادكم. والنزائع جمع نزيعة، وهي المرأة التي تزوج في غير عشيرتها. وأضوى: ولد له ولد ضاو أي ضعيف3.

وروي أن رجلًا قال: بنات العم أصبر والغرائب أنجب، وما ضرب رءوس الأبطال كابن أعجمية4. وقد أدركوا أثر العرق في الولد. قال رجل: لا أتزوج امرأة حتى أنظر إلى ولدي منها، قيل له: كيف ذلك؟ قال: أنظر إلى أبيها وأمها، فإنها تجر بأحدهما5. وقال بعض الشعراء:

إذا كنت تبغي أيّمًا بجهالة ... من الناس فانظر من أبوها وخالها

فإنهما منها كما هي منهما ... كقدّك نعلًا إن أريد مثالها

فإن الذي ترجو من المال عندها ... سيأتي عليه شؤمها وخبالها6

ويراعى التكافؤ في الزواج، فالأشراف لا يتزوجون إلا من طبقة مكافئة لهم، والسواد لا يتجاسرون على خطبة ابنة سيد قبيلة أو ابنة أحد الوجهاء، ويعير السيد الشريف إن تزوج بنتًا من سواد الناس، ولا سيما إذا كانت ابنة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015