وربما خلعوا الرجل من القبيلة ولو كان من صميمها، ويسقط عن أهله وقبيلته كل واجب يترتب عليهم أو عليها إذا عمل عملًا يستوجب خلعه، كما تسقط عن القبائل التي قد تتعرض للخليع بشر كل تبعة تقع عليها من الاعتداء عليه، لخلع أهله أو قبيلته له، وتبرئهم أو تبرئها منه، فلا يطالبون بثأر.
ولا بد من إعلان خلع أهل "الخليع" أو خلع قبيلته له وتبرئها منه؛ ليكون ذلك معلومًا عند أفراد قبيلته أو القبائل الأخرى، فتسقط العصبية عندئذ عن "الخليع" عند إعلان قرار الخلع، وإلا بقيت في رقبة أولياء أمره وقبيلته، وذلك كأن يعلن الأب في المواضع العامة وفي المواسم أنه خلع ابنه، بأن يقول: ألا إني قد خلعت ابني هذا، فإن جَرَّ لم أضمن، وأن جُر عليه لم أطلب، أو يعلن قومه: إنما خلعنا فلانًا، فلا نأخذ أحدًا بجناية تجنى عليه، ولا نؤخذ بجناياته التي يجنيها.
وقد كان الحج من المواسم المناسبة لإعلان خلع الخلعاء، وكذلك كانت مواسم الأسواق كسوق عكاظ. فهي مواسم تجمُّع, ينادي فيها المنادي بخلع من يراد خلعه، وكان أهل مكة يكلفون مناديًا بالطواف بالأحياء، ينادي بأعلى صوته عن خلع الخليع. وقد يكتبون كتابًا يحفظونه عندهم أو يعلقونه في محل عام ليقف عليه الناس1.
وقد عاش الخلعاء عيشة صعبة، لا أحد يساعدهم أو يئويهم خشية أن ينزل بهم أذى، أو يترتب على قبول جوارهم تبعة تجاه من يقتص آثارهم طلبًا للثأر منهم؛ ولذلك تكتل الصعاليك أحيانًا وكونوا عصابات تغزو وتغير وتقطع الطريق. وكان الشاعر "عروة بن الورد" وهو منهم, يجمع حوله الصعاليك والفقراء في حظيرة ويغزو بهم ويرزقهم مما يغنمه؛ ولذلك سمي "عروة العصاليك"2. ذكر أنه كان إذا شكا إليه فتى من فتيان قومه الفقر, أعطاه فرسًا ورمحًا، وقال له: إن لم تستغنِ بهما, فلا أغناك الله3.