لحلاف وقع بينه وبينهم:
أمنتقلًا من نصر بهثة خِلتي ... ألا إنني منهم, وإن كنت أينما
ألا إنني منهم وعرضيَ عرضهم ... كذي الأنف يحمي أنفه أن يصلّما1
فإذا أعطى رجل رجلًا عهدًا، فلا يسعه أن يغدر به، ولا بد له من المحافظة على العهد وما برح العرب يحافظون على عهودهم حتى اليوم. وقد يضحي الإنسان بنفسه على أن يخدش سمعته فيوسم بالغدر, وكانوا في الجاهلية إذا غدر الرجل رفعوا له في سوق عكاظ لواء ليعرفوه الناس2. وقد ورد: "إن لكل غدرة لواء", ونصبُ اللواء في المواضع العامة وفي المواسم للإشارة إلى غدر شخص بشخص آخر, من أشهر الأشياء عند العرب3.
وإلى هذا اللواء أشار "الحادرة"، "قطبة بن أوس" إذ قال:
أسميَّ, ويحك هل سمعت بغدرةٍ ... رفع اللواء لنا بها في مجمع4
وإذا غدر الرجل بجاره، أوقدوا النار بمنى أيام الحج على أحد الأخشبين، ثم صاحوا: "هذه غدرة فلان" ليحذره الناس5. وقد قيل لهذه النار: نار الغدر6.
وربما جعلوا للغادر تمثالًا من طين، ينصبونه ليراه الناس، وكانوا يقولون: ألا إن فلانًا قد غدر فالعنوه. جاء في الشعر:
فلنقتلن بخالد سَرَوَاتكم ... ولنجعلن لظالمٍ تمثالَا
فهذا التمثال هو تمثال الغدر والخيانة، نصب ليقف الناس على خبر غدر الشخص الذي نصب له7.
وقد عاب الناس الغادر وعيروا به, فإذا شتموا شخصًا قالوا: يا غُدَر! وقد جعلوا الذئب من الحيوانات الغادرة، فقالوا: الذئب غادر، أي: لا عهد له, كما قالوا: الذئب فاجر8.