في جواره وفي حرمة ذلك القبر, وعلى أصحاب ذلك القبر الذب عن هذا الجار والدفاع عنه. ومن هذا القبيل استجارة الناس بقبر "عامر بن الطفيل", فقد ذكر أن قومه من "بني عامر"، وضعوا حول قبره أنصابًا على مسافة منه, إذا اجتازها اللاجئ ودخل "الحرم" المحيط بالقبر، صار آمنًا على ماله ونفسه، لا يخشى خشية أحد يريد إنزال سوء به. وقد منعوا دخول حيوان إليه أو مرور راكب به؛ احترامًا لحرمة صاحب هذا القبر1. وكالذي كان من أمر قبر "تميم بن مر" جد قبيلة تميم في عرف النسابين.
وقد يستجير الإنسان بمعبد أو بأي موضع مقدس، فيكون في جوار وحرمة ذلك المكان, وعلى أصحابه أداء حقوق الجوار. ومن هذا القبيل جوار مكة, فمن دخل حرم "البيت" صار في جواره، آمنًا مطمئنا لا يجوز الاعتداء عليه ولا إخافته؛ لأنه في حرمة "البيت" وعلى قريش الذب عنه.
وقد كان لآل "محلم بن ذهل" قبة بوادي "عوف" عرفت بـ"قبة المعاذة"، من لجأ إليها أعاذوه، و"آل عوف" من أشرافهم في الجاهلية ومن رجالهم "عوف" الذي يضرب به المثل: لا حرّ بوادي عوف2. والعوذ: الالتجاء؛ ولهذا عرفت بتلك التسمية, وهو "عوف بن محلم بن ذهل بن شيبان". وقد ضرب به المثل في الوفاء, فورد: "هو أوفى من عوف", وذلك لأن عمرو بن هند طلب منه مروان القرظ, وكان قد أجاره فمنعه عوف وأبى أن يسلمه، فقال عمرو: لا حر بوادي عوف, أي: إنه يقهر من حل بواديه وكل من فيه كالعبيد له لطاعتهم إياه. وهو من أمثال العرب في الرجل العزيز المنيع الذي يعز به الذليل ويذل به العزيز. وقيل: إن كل من صار في ناحيته خضع له, أو قيل ذلك لأنه كان يقتل الأسارى3. ولما توفي "عوف" دفن بواديه، وأقاموا قبة على قبره صارت ملاذًا لمن يطلب الجوار.
ومن طرق الجوار، أن يأتي رجل إلى رجل ليستجير به فلا يجده، فيعقد