أن يضرب وجه باب الكعبة بالذهب وتوضع في داخلها تلك النفائس وهي على تلك الحالة، اللهم إلا إذا شككنا في أمر هذه الروايات وذهبنا إلى أنها من نوع القصص الذي وضعه أهل الأخبار.
وقد طغى ماء "بئر زمزم" على مياه آبار مكة الأخرى؛ فهو أولًا ماء مقدس، لأنه في أرض مقدسة، وفي المسجد الحرام، ثم هو أغزر وأكثر كميةً من مياه الآبار الأخرى, وهو لا ينضب مهما استقى أصحاب الدلاء منه, ثم إنه ألطف مذاقًا من مياه آبار مكة الأخرى. وقد استفاد "عبد المطلب" من هذه البئر، ماديا وأدبيا، وصارت ملكًا خالصة له، على الرغم من محاولات زعماء مكة والمنافسين له مساهمتهم له في حق هذه البئر؛ لأنها في أرض الحرم، والحرم حرم الله، وهو مشاع بين كل أهل مكة. وصار يسقي الحجاج من هذه البئر، وترك السقي من حياض الأدم التي كانت بمكة عند موضع بئر زمزم، وصار يحمل الماء من زمزم إلى عرفة فيسقي الحاج1.
وكان أبناء "قصي" قبل حفر بئر "زمزم" يأتون بالماء من خارج مكة -كما يقول أهل الأخبار- ثم يملئون بها حياضًا من أدم ويسقون الحجاج، جروا بذلك على سنة "قصي". فلما حفرت بئر زمزم, تركوا السقي بالحياض من المياه المستوردة من خارج مكة، وأخذو يسقونهم من ماء زمزم2.
وقد كان عبد المطلب يزور اليمن بين الحين والحين، فكان إذا وردها نزل على عظيم من عظماء حمير. ويذكر أهل الأخبار أن أحد هؤلاء عَلَّم عبد المطلب صبغ الشَّعر، وذلك بأن أمر به فخضب بحناء، ثم عُلِيَ بالوسمة، وصار يصبغ شعره بمكة، وخضب أهل مكة بالسواد3. ويذكر أهل الأخبار أيضا أنه اتصل بملوك اليمن، وأخذ منهم إيلافًا لقومه، بالاتجار مع اليمن, وكانت قريش تنظم عيرًا إلى اليمن في كل سنة4.