...
الفصل الثاني والأربعون: مكة المكرمة
ومكة بلد في وادٍ غير ذي زرع، تشرف عليها جبال جُرْد، فتزيد في قسوة مناخه, ليس بها ماء غير ماء زمزم، وهي بئر محفورة، وآبار أخرى مجة حفرها أصحاب البيوت. أما مياه جارية وعيون غزيرة، على ما نرى في أماكن أخرى، فليس لها وجود بهذا المعنى هناك. وكل ما كان يحدث نزول سيول، قد تكون ثقيلة قوية، تهبط عليها من شعاب الهضاب والجبال، فتنزل بها أضرارًا فادحة وخسائر كبيرة، وقد تصل إلى الحرم فتؤثر فيه، وقد تسقط البيوت، فتكون السيول نقمة، لا رحمة تسعف وتغيث أهل البيت الحرام1.
لذلك لم تصلح أرض مكة لأن تكون أرضًا ذات نخيل وزرع وحب؛ فاضطر سكانها إلى استيراد ما يحتاجون إليه من الأطراف والخارج، وأن يكتفوا في حياتهم بالتعيش مما يكسبونه من الحجاج، وأن يضيفوا إلى ذلك تجارة تسعفهم وتغنيهم، وتضمن لهم معاشهم، وأمانًا وسلمًا يحفظ لهم حياتهم، فلا يطمع فيهم طامع، ولا ينغص عيشهم منغص: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ ... } 2.